وحذف الوصف لدلالة الفعل عليه. وهذا تشبيه لضياع الأعمال الصالحة بفساد الذوات النافعة ، ووجه الشبه عدم انتفاع مكتسبها منها. والمراد ضياع ثوابها وما يترقّبه العامل من الجزاء عليها والفوز بها.
والمراد التحذير من الارتداد عن الإيمان ، والترغيب في الدخول فيه كذلك ، ليعلم أهل الكتاب أنّهم لا تنفعهم قرباتهم وأعمالهم ، ويعلم المشركون ذلك.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦))
إذا جرينا على ما تحصحص لدينا وتمحّص : من أنّ سورة المائدة هي من آخر السور نزولا ، وأنّها نزلت في عام حجّة الوداع ، جزمنا بأنّ هذه الآية نزلت هنا تذكيرا بنعمة عظيمة من نعم التّشريع : وهي منّة شرع التيمّم عند مشقّة التطهّر بالماء ، فجزمنا بأنّ هذا الحكم كلّه مشروع من قبل ، وإنّما ذكر هنا في عداد النّعم الّتي امتنّ الله بها على المسلمين ، فإنّ الآثار صحّت بأنّ الوضوء والغسل شرعا مع وجوب الصّلاة ، وبأنّ التيمّم شرع في غزوة المريسيع سنة خمس أو ستّ. وقد تقدّم لنا في تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) ـ في سورة النّساء [٤٣] ـ الخلاف في أنّ الآية الّتي نزل فيها شرع التيمّم أهي آية سورة النّساء ، أم آية سورة المائدة. وذكرنا هنالك أنّ حديث «الموطأ» من رواية مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ليس فيه تعيين الآية ولكن سمّاها آية التيمّم ، وأنّ القرطبي اختار أنّها آية النّساء لأنّها المعروفة بآية التيمّم ، وكذلك اختار الواحدي في «أسباب النّزول» ، وذكرنا أنّ صريح رواية عمرو بن حريث عن عائشة : أنّ الآية الّتي نزلت في غزوة المريسيع هي قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) الآية ، كما أخرجه البخاري عن يحيى عن ابن وهب عن عمرو بن حريث عن عبد الرحمن بن القاسم ، ولا يساعد مختارنا في تاريخ نزول سورة المائدة ، فإن لم يكن ما في حديث البخاري سهوا من أحد رواته غير عبد الرحمن بن القاسم وأبيه ، أراد أن يذكر آية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى