تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) ، وهي آية النّساء [٤٣] ، فذكر آية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الآية. فتعيّن تأويله حينئذ بأن تكون آية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) قد نزلت قبل نزول سورة المائدة ، ثمّ أعيد نزولها في سورة المائدة ، أو أمر الله أن توضع في هذا الموضع من سورة المائدة ، والأرجح عندي : أن يكون ما في حديث البخاري وهما من بعض رواته لأنّ بين الآيتين مشابهة.
فالأظهر أنّ هذه الآية أريد منها تأكيد شرع الوضوء وشرع التيمّم خلفا عن الوضوء بنصّ القرآن ؛ لأنّ ذلك لم يسبق نزول قرآن فيه ولكنّه كان مشروعا بالسنّة. ولا شكّ أنّ الوضوء كان مشروعا من قبل ذلك ، فقد ثبت أنّ النّبيء صلىاللهعليهوسلم لم يصلّ صلاة إلّا بوضوء. قال أبو بكر ابن العربي في «الأحكام» «لا خلاف بين العلماء في أنّ الآية مدنية ، كما أنّه لا خلاف أنّ الوضوء كان مفعولا قبل نزولها غير متلوّ ولذلك قال علماؤنا : إنّ الوضوء كان بمكّة سنّة ، معناه كان بالسنّة. فأمّا حكمه فلم يكن قطّ إلّا فرضا» وقد روى ابن إسحاق وغيره أنّ النّبيء صلىاللهعليهوسلم لمّا فرض الله سبحانه عليه الصّلاة ليلة الإسراء ونزل جبريل ظهر ذلك اليوم ليصلّي بهم فهمز بعقبه فانبعث ماء وتوضّأ معلّما له وتوضّأ هو معه فصلّى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم. وهذا صحيح وإن كان لم يروه أهل الصّحيح ولكنّهم تركوه لأنّهم لم يحتاجوا إليه اه.
وفي «سيرة ابن إسحاق» ثمّ انصرف جبريل فجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم خديجة فتوضّأ لها ليريها كيف الطهور للصّلاة كما أراه جبريل اه. وقولهم : الوضوء سنّة روي عن عبد الله بن مسعود. وقد تأوّله ابن العربي بأنّه ثابت بالسنّة. قال بعض علمائنا : ولذلك قالوا في حديث عائشة : فنزلت آية التّيمّم ؛ ولم يقولوا : آية الوضوء ؛ لمعرفتهم إيّاه قبل الآية.
فالوضوء مشروع مع الصّلاة لا محالة ، إذ لم يذكر العلماء إلّا شرع الصّلاة ولم يذكروا شرع الوضوء بعد ذلك ، فهذه الآية قرّرت حكم الوضوء ليكون ثبوته بالقرآن. وكذلك الاغتسال فهو مشروع من قبل ، كما شرع الوضوء بل هو أسبق من الوضوء ؛ لأنّه من بقايا الحنيفية الّتي كانت معروفة حتّى أيّام الجاهليّة ، وقد وضّحنا ذلك في سورة النّساء. ولذلك أجمل التّعبير عنه هنا وهنالك بقوله هنا (فَاطَّهَّرُوا) ، وقوله هنالك (تَغْتَسِلُوا) [النساء : ٤٣] ، فتمحّضت الآية لشرع التيمّم عوضا عن الوضوء.
ومعنى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) إذا عزمتم على الصّلاة ، لأنّ القيام يطلق في كلام