وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٠))
عقّب أمرهم بالتّقوى بذكر ما وعد الله به المتّقين ترغيبا في الامتثال ، وعطف عليه حال أضداد المتّقين ترهيبا. فالجملة مستأنفة استئنافا بيانيا. ومفعول (وَعَدَ) الثّاني محذوف تنزيلا للفعل منزلة المتعدّي إلى واحد.
وجملة (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) مبيّنة لجملة (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) ، فاستغني بالبيان عن المفعول ، فصار التقدير : وعد الله الّذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجرا عظيما لهم. وإنّما عدل عن هذا النظم لما في إثبات المغفرة لهم بطريق الجملة الاسمية من الدلالة على الثبات والتقرّر.
والقصر في قوله : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) قصر ادّعائي لأنّهم لمّا كانوا أحقّ النّاس بالجحيم وكانوا خالدين فيه جعلوا كالمنفردين به ، أو هو قصر حقيقي إذا كانت إضافة (أَصْحابُ) مؤذنة بمزيد الاختصاص بالشيء كما قالوه في مرادفها ، وهو ذو كذا ، كما نبّهوا عليه في قوله : (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) [آل عمران : ٤] فيكون وجه هذا الاختصاص أنّهم الباقون في الجحيم أبدا.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١))
بعد قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) [المائدة : ٧] أعيد تذكيرهم بنعمة أخرى عظيمة على جميعهم إذ كانت فيها سلامتهم ، تلك هي نعمة إلقاء الرعب في قلوب أعدائهم لأنّها نعمة يحصل بها ما يحصل من النصر دون تجشّم مشاقّ الحرب ومتالفها. وافتتاح الاستئناف بالنّداء ليحصل إقبال السامعين على سماعه. ولفظ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وما معه من ضمائر الجمع يؤذن بأنّ الحادثة تتعلّق بجماعة المؤمنين كلّهم. وقد أجمل النعمة ثمّ بيّنها بقوله : (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ).
وقد ذكر المفسّرون احتمالات في تعيين القوم المذكورين في هذه الآية. والّذي يبدو لي أنّ المراد قوم يعرفهم المسلمون يومئذ ؛ فيتعيّن أن تكون إشارة إلى وقعة مشهورة أو قريبة من تاريخ نزول هذه السورة. ولم أر فيما ذكروه ما تطمئنّ له النّفس. والّذي أحسب أنّها تذكير بيوم الأحزاب ؛ لأنّها تشبه قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) [الأحزاب : ٩] الآية.