(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢))
ناسب ذكر ميثاق بني إسرائيل عقب ذكر ميثاق المسلمين من قوله : (وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) [المائدة : ٧] تحذيرا من أن يكون ميثاقنا كميثاقهم. ومحلّ الموعظة هو قوله : (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ). وهكذا شأن القرآن في التفنّن ومجيء الإرشاد في قالب القصص ، والتنقّل من أسلوب إلى أسلوب.
وتأكيد الخبر الفعلي بقد وباللام للاهتمام به ، كما يجيء التأكيد بإنّ للاهتمام وليس ثمّ متردّد ولا منزّل منزلته. وذكر مواثيق بني إسرائيل تقدّم في سورة البقرة.
والبعث أصله التوجيه والإرسال ، ويطلق مجازا على الإقامة والإنهاض كقوله : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) [يس : ٥٢] ، وقوله : (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) [الروم : ٥٦]. ثم شاع هذا المجاز حتّى بني عليه مجاز آخر بإطلاقه على الإقامة المجازية (إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [آل عمران : ١٦٤] ، ثمّ أطلق على إثارة الأشياء وإنشاء الخواطر في النفس. قال متمم بن نويرة :
فقلت لهم إنّ الأسى يبعث الأسى
أي أنّ الحزن يثير حزنا آخر. وهو هنا يحتمل المعنى الأول والمعنى الثّالث.
والعدول عن طريق الغيبة من قوله : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ) إلى طريق التكلّم في قوله : (وَبَعَثْنا) التفات.
والنقيب فعيل بمعنى فاعل : إمّا من نقب إذا حفر مجازا ، أو من نقّب إذا بعث (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) [ق : ٣٦] ، وعلى الأخير يكون صوغ فعيل منه على خلاف القياس ، وهو وارد كما صيغ سميع من أسمع في قول عمرو بن معد يكرب :
أمن ريحانة الداعي السميع
أي المسمع.