يجوز أن يقال : هو دين الله ، ولا يجوز أن يقال : قاله الله.
وقوله : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) انتقال من ذكر نقضهم لعهد الله إلى خيسهم بعهدهم مع النّبيء صلىاللهعليهوسلم. وفعل (لا تَزالُ) يدلّ على استمرار ، لأنّ المضارع للدلالة على استمرار الفعل لأنّه في قوة أن يقال : يدوم اطّلاعك. فالاطّلاع مجاز مشهور في العلم بالأمر ، والاطّلاع هنا كناية عن المطّلع عليه ، أي لا يزالون يخونون فتطّلع على خيانتهم.
والاطّلاع افتعال من طلع. والطلوع : الصعود. وصيغة الافتعال فيه لمجرّد المبالغة ، إذ ليس فعله متعدّيا حتّى يصاغ له مطاوع ، فاطّلع بمنزلة تطّلع ، أي تكلّف الطلوع لقصد الإشراف. والمعنى : ولا تزال تكشف وتشاهد خائنة منهم.
والخائنة : الخيانة فهو مصدر على وزن الفاعلة ، كالعاقبة ، والطاغية. ومنه (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) [غافر : ١٩]. وأصل الخيانة : عدم الوفاء بالعهد ، ولعلّ أصلها إظهار خلاف الباطن. وقيل : (خائِنَةٍ) صفة لمحذوف ، أي فرقة خائنة.
واستثنى قليلا منهم جبلوا على الوفاء ، وقد نقض يهود المدينة عهدهم مع رسول الله والمسلمين فظاهروا المشركين في وقعة الأحزاب ، قال تعالى : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ) [الأحزاب : ٢٦]. وأمره بالعفو عنهم والصفح حمل على مكارم الأخلاق ، وذلك فيما يرجع إلى سوء معاملتهم للنّبي صلىاللهعليهوسلم. وليس المقام مقام ذكر المناواة القومية أو الدّينية ، فلا يعارض هذا قوله في براءة (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) [التوبة : ٢٩] لأنّ تلك أحكام التصرّفات العامّة ، فلا حاجة إلى القول بأنّ هذه الآية نسخت بآية براءة.
(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤))
ذكر بعد ميثاق اليهود ميثاق النصارى. وجاءت الجملة على سببه اشتغال العامل عن المعمول بضميره حيث قدّم متعلّق (أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) وفيه اسم ظاهر ، وجيء بضميره مع العامل للنكتة الداعية للاشتغال من تقرير المتعلّق وتثبيته في الذهن إذ يتعلّق الحكم باسمه