تقولوا ، ودرج عليه بعض المفسّرين مثل البغوي ؛ فيكون من إيجاز الحذف اعتمادا على قرينة السياق والمقام. وزعم ابن هشام في «مغني اللبيب» أنّه تعسّف ، وذكر أنّ بعض النحويين زعم أنّ من معاني (أن) أن تكون بمعنى (لئلّا).
وعندي : أنّ الذي ألجأ النحويين والمفسّرين لهذا التأويل هو البناء على أنّ (أن) تخلّص المضارع للاستقبال فتقتضي أنّ قول أهل الكتاب : ما جاءنا بشير ولا نذير غير حاصل في حال نزول الآية ، وأنه مقدّر حصوله في المستقبل. ويظهر أنّ إفادة (أن) تخليص المضارع للمستقبل إفادة أكثريّة وليست بمطّردة ، وقد ذهب إلى ذلك أبو حيّان وذكر أنّ أبا بكر الباقلاني ذهب إليه ، بل قد تفيد (أن) مجرد المصدرية كقوله تعالى : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ١٨٣] ، وقول امرئ القيس :
فإمّا تريني لا أغمّض ساعة |
|
من الليل إلّا أن أكبّ وأنعسا |
فإنّه لا يريد أنّه ينعس في المستقبل. وأنّ صرفها عن إفادة الاستقبال يعتمد على القرائن ، فيكون المعنى هنا أنّ أهل الكتاب قد قالوا هذا العذر لمن يلومهم مثل الّذين اتّبعوا الحنيفية ، كأمية بن أبي الصلت وزيد بن عمرو بن نفيل ، أو قاله اليهود لنصارى العرب.
وقوله : (فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) الفاء فيه للفصيحة ، وقد ظهر حسن موقعها بما قرّرت به معنى التعليل ، أي لأن قلتم ذلك فقد بطل قولكم إذ قد جاءكم بشير ونذير. ونظير هذا قول عباس بن الأحنف :
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا |
|
ثم القفول فقد جئنا خراسانا |
[٢٠ ـ ٢٢] (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢))
عطف القصة على القصص والمواعظ. وتقدّم القول في نظائر (وَإِذْ قالَ) في مواضع منها قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) في البقرة [٣٠].