بجودة الأرض وبقوّة سكّانها. وهذا كناية عن مخالفتهم من الأمم الذين يقطنون الأرض المقدّسة ، فامتنعوا من اقتحام القرية خوفا من أهلها ، وأكّدوا الامتناع من دخول أرض العدوّ توكيدا قويّا بمدلول (إنّ) و (لن) في (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها) تحقيقا لخوفهم.
وقوله : (فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ) تصريح بمفهوم الغاية في قوله : (وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها) لقصد تأكيد الوعد بدخولها إذا خلت من الجبّارين الذين فيها.
وقد أشارت هذه الآية إلى ما في الإصحاح الثالث عشر والرابع عشر من سفر العدد : «أنّ الله أمر موسى أن يرسل اثني عشر رجلا جواسيس يتجسّسون أرض كنعان الّتي وعدها الله بني إسرائيل من كلّ سبط رجلا ؛ فعيّن موسى اثني عشر رجلا ، منهم : يوشع بن نون من سبط أفرايم ، ومنهم كالب بن يفنة من سبط يهوذا ، ولم يسمّوا بقية الجواسيس. فجاسوا خلال الأرض من برية صين إلى حماة فوجدوا الأرض ذات ثمار وأعناب ولبن وعسل ووجدوا سكّانها معتزّين ، طوال القامات ، ومدنهم حصينة. فلمّا سمع بنو إسرائيل ذلك وهلوا وبكوا وتذمّروا على موسى وقالوا : لو متنا في أرض مصر كان خيرا لنا من أن تغنم نساؤنا وأطفالنا ، فقال يوشع وكالب للشعب : إن رضي الله عنّا يدخلنا إلى هذه الأرض ولكن لا تعصوا الربّ ولا تخافوا من أهلها ، فالله معنا. فأبى القوم من دخول الأرض وغضب الله عليهم. وقال لموسى : لا يدخل أحد من سنّه عشرون سنة فصاعدا هذه الأرض إلّا يوشع وكالبا وكلّكم ستدفنون في هذا القفر ، ويكون أبناؤكم رعاة فيه أربعين سنة.
[٢٣ ـ ٢٦] (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٦))
فصلت هذه الجمل الأربع جريا على طريقة المحاورة كما بيّنّاه سالفا في سورة البقرة. والرجلان هما يوشع وكالب. ووصف الرجلان بأنّهم (مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) فيجوز أن يكون المراد بالخوف في قوله : (يَخافُونَ) الخوف من العدوّ ؛ فيكون المراد باسم الموصول بني إسرائيل. جعل تعريفهم بالموصولية للتعريض بهم بمذمّة الخوف وعدم