حديث «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار» فذلك في القتال على الملك وقصد التغالب الّذي ينكفّ فيه المعتدي بتسليم الآخر له ؛ فأمر رسول اللهصلىاللهعليهوسلم أصلح الفريقين بالتّسليم للآخر وحمل التبعة عليه تجنّبا للفتنة ، وهو الموقف الّذي وقفه عثمان ـ رضياللهعنه ـ رجاء الصلاح.
ومعنى (أُرِيدُ) : أريد من إمساكي عن الدفاع. وأطلقت الإرادة على العزم كما في قوله تعالى : (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) [القصص : ٢٧] ، وقوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) [البقرة : ١٨٥]. فالجملة تعليل للّتي قبلها ، ولذلك فصلت وافتتحت ب (إنّ) المشعرة بالتّعليل بمعنى فاء التفريع.
و (تَبُوءَ) ترجع ، وهو رجوع مجازي ، أي تكتسب ذلك من فعلك ، فكأنّه خرج يسعى لنفسه فباء بإثمين. والأظهر في معنى قوله (بِإِثْمِي) ما له من الآثام الفارطة في عمره ، أي أرجو أن يغفر لي وتحمل ذنوبي عليك. وفي الحديث : «يؤتى بالظالم والمظلوم يوم القيامة فيؤخذ من حسنات الظالم فيزاد في حسنات المظلوم حتّى ينتصف فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيّئات المظلوم فتطرح عليه». رواه مسلم. فإن كان قد قال هذا عن علم من وحي فقد كان مثل ما شرع في الإسلام ، وإن كان قد قاله عن اجتهاد فقد أصاب في اجتهاده وإلهامه ونطق عن مثل نبوءة.
ومصدر (أَنْ تَبُوءَ) هو مفعول (أُرِيدُ) ، أي أريد من الإمساك عن أن أقتلك إن أقدمت على قتلي أريد أن يقع إثمي عليك ، فإثم مراد به الجنس ، أي ما عسى أن يكون له من إثم. وقد أراد بهذا موعظة أخيه ، ولذلك عطف عليه قوله : (وَإِثْمِكَ) تذكيرا له بفظاعة عاقبة فعلته ، كقوله تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [النحل : ٢٥]. فعطف قوله : (وَإِثْمِكَ) إدماج بذكر ما يحصل في نفس الأمر وليس هو ممّا يريده. وكذلك قوله : (فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) تذكيرا لأخيه بما عسى أن يكفّه عن الاعتداء. ومعنى (مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) أي ممّن يطول عذابه في النّار ، لأنّ أصحاب النّار هم ملازموها.
وقوله : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) دلّت الفاء على التفريع والتعقيب ، ودلّ (طوّع) على حدوث تردّد في نفس قابيل ومغالبة بين دافع الحسد ودافع الخشية ، فعلمنا أنّ المفرّع عنه محذوف ، تقديره : فتردّد مليّا ، أو فترصّد فرصا فطوّعت له نفسه. فقد قيل : إنّه بقي زمانا يتربّص بأخيه ، (وطوّع) معناه جعله طائعا ، أي مكّنه من المطوّع. والطوع والطواعية :