تخلّص إلى تشريع عقاب المحاربين ، وهم ضرب من الجناة بجناية القتل. ولا علاقة لهذه الآية ولا الّتي بعدها بأخبار بني إسرائيل. نزلت هذه الآية في شأن حكم النبيصلىاللهعليهوسلم في العرنيّين ، وبه يشعر صنيع البخاري إذ ترجم بهذه الآية من كتاب التّفسير ، وأخرج عقبه حديث أنس بن مالك في العرنيّين. ونصّ الحديث من مواضع من صحيحه : «قدم على النّبيء صلىاللهعليهوسلم نفر من عكل وعرينة (١) فأسلموا ثمّ أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا قد استوخمنا هذه الأرض ، فقال لهم : هذه نعم لنا فاخرجوا فيها فاشربوا ألبانها وأبوالها. فخرجوا فيها فشربوا من أبوالها وألبانها واستصحّوا ، فمالوا على الرّاعي فقتلوه واطّردوا الذّود وارتدّوا. فبعث رسول الله في آثارهم ، بعث جرير بن عبد الله في خيل فأدركوهم وقد أشرفوا على بلادهم ، فما ترجّل النّهار حتّى جيء بهم ، فأمر بهم ، فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم بمسامير أحميت ، ثمّ حبسهم حتّى ماتوا. وقيل : أمر بهم فألقوا في الحرّة يستسقون فما يسقون حتّى ماتوا. قال جماعة : وكان ذلك سنة ستّ من الهجرة ، كان هذا قبل أن تنزل آية المائدة. نقل ذلك مولى ابن الطلاع في كتاب «الأقضية المأثورة» بسنده إلى ابن جبير وابن سيرين ، وعلى هذا يكون نزولها نسخا للحدّ الّذي أقامه النّبيء صلىاللهعليهوسلم سواء كان عن وحي أم عن اجتهاد منه ، لأنّه لمّا اجتهد ولم يغيّره الله عليه قبل وقوع العمل به فقد تقرّر به شرع. وإنّما أذن الله له بذلك العقاب الشّديد لأنّهم أرادوا أن يكونوا قدوة للمشركين في التحيّل بإظهار الإسلام للتوصّل إلى الكيد للمسلمين ، ولأنّهم جمعوا في فعلهم جنايات كثيرة. قال أبو قلابة : فما ذا يستبقى من هؤلاء قتلوا النّفس وحاربوا الله ورسوله وخوّفوا رسول الله. وفي رواية للطبري : نزلت في قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين المسلمين عهد فنقضوه وقطعوا السّبيل وأفسدوا في الأرض. رواه عن ابن عبّاس والضحّاك. والصّحيح الأوّل. وأيّاما كان فقد نسخ ذلك بهذه الآية.
فالحصر ب (إِنَّما) في قوله (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ) إلخ على أصحّ الروايتين في سبب نزول الآية حصر إضافي ، وهو قصر قلب لإبطال ـ أي لنسخ ـ العقاب الّذي أمر به الرسول صلىاللهعليهوسلم على العرنيّين ، وعلى ما رواه الطبري عن ابن عبّاس فالحصر أن لا جزاء لهم إلّا ذلك ، فيكون المقصود من القصر حينئذ أن لا ينقص عن ذلك الجزاء وهو أحد الأمور
__________________
(١) هم سبعة : ثلاثة من عكل. وأربعة من عرينه. وعكل ـ بضم العين وسكون الكاف ـ قبيلة من تيم الرّباب بن عبد مناف بن طابخة بن إلياس بن مضر. وعرينة ـ بضم العين وفتح الراء ـ قبيلة من قضاعة.