والتعريف في (الْآياتِ) للعهد ، وهي المعهودة في هذه السورة ابتداء من قوله : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [الأنعام : ١].
و (ثُمَ) للترتيب الرتبي لأنّها عطفت جملة على جملة ، فهي تؤذن بأنّ الجملة المعطوفة أدخل في الغرض المسوق له الكلام ، وهو هنا التعجيب من قوة الأدلّة وأنّ استمرار الإعراض والمكابرة مع ذلك أجدر بالتعجيب به.
وجيء بالمسند في جملة (هُمْ يَصْدِفُونَ) فعلا مضارعا للدلالة على تجدّد الإعراض منهم. وتقديم المسند إليه على الخبر الفعليّ لتقوّي الحكم.
و (يَصْدِفُونَ) يعرضون إعراضا شديدا. يقال : صدف صدفا وصدوفا ، إذا مال إلى جانب وأعرض عن الشيء. وأكثر ما يستعمل أن يكون قاصرا فيتعدّى إلى مفعوله ب (عن). وقد يستعمل متعدّيا كما صرّح به في «القاموس». وقلّ التعرّض لذلك في كتب اللغة ولكن الزمخشري في تفسير قوله تعالى في أواخر هذه السورة (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها) [الأنعام : ١٥٧] قدّر : وصدف الناس عنها ، مع أنّه لم يتعرّض لذلك في الأساس ولا علّق على تقديره شارحوه. ولمّا تقدّم ذكر الآيات حذف متعلّق (يَصْدِفُونَ) لظهوره ، أي صدف عن الآيات.
(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧))
استئناف للتهديد والتوعّد وإعذار لهم بأنّ إعراضهم لا يرجع بالسوء إلّا عليهم ولا يضرّ بغيرهم ، كقوله : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) [الأنعام : ٢٦].
والقول في (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً) الآية كالقول في نظيريه المتقدّمين.
وجيء في هذا وفي نظيره المتقدّم بكاف الخطاب مع ضمير الخطاب دون قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ) [الأنعام : ٤٦] الآية لأنّ هذا ونظيره أبلغ في التوبيخ لأنّهما أظهر في الاستدلال على كون المشركين في مكنة قدرة الله ، فإنّ إتيان العذاب أمكن وقوعا من سلب الأبصار والأسماع والعقول لندرة حصول ذلك ، فكان