فلرعي لفظها.
والباء للسببية ، و (ما) مصدرية ، أي بسبب فسقهم. والفسق حقيقته الخروج عن حدّ الخير. وشاع استعماله في القرآن في معنى الكفر وتجاوز حدود الله تعالى. وتقدّم تفصيله عند قوله تعالى : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) في سورة البقرة [٢٦].
وجيء بخبر (كان) جملة مضارعية للإشارة إلى أنّ فسقهم كان متجدّدا متكرّرا ، على أنّ الإتيان ب (كان) أيضا للدلالة على الاستمرار لأنّ (كان) إذا لم يقصد بها انقضاء خبرها فيما مضى دلّت على استمرار الخبر بالقرينة ، كقوله تعالى : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ٩٦].
(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠))
(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ).
لمّا تقضّت المجادلة مع المشركين في إبطال شركهم ودحض تعاليل إنكارهم نبوءة محمدصلىاللهعليهوسلم بأنّهم لا يؤمنون بنبوته إلّا إذا جاء بآية على وفق هواهم ، وأبطلت شبهتهم بقوله : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) [الأنعام : ٤٨] وكان محمدصلىاللهعليهوسلم ممّن شمله لفظ المرسلين ، نقل الكلام إلى إبطال معاذيرهم فأعلمهم الله حقيقة الرسالة واقترانها بالآيات فبيّن لهم أنّ الرسول هو الذي يتحدّى الأمّة لأنّه خليفة عن الله في تبليغ مراده من خلقه ، وليست الأمّة هي التي تتحدّى الرسول ، فآية صدق الرسول تجيء على وفق دعواه الرسالة ، فلو ادّعى أنّه ملك أو أنّه بعث لإنقاذ الناس من أرزاء الدنيا ولإدناء خيراتها إليهم لكان من عذرهم أن يسألوه آيات تؤيّد ذلك ، فأمّا والرسول مبعوث للهدى فآيته أن يكون ما جاء به هو الهدى وأن تكون معجزته هو ما قارن دعوته ممّا يعجز البشر عن الإتيان بمثله في زمنهم.
فقوله (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) استئناف ابتدائي انتقل به الكلام من غرض إلى غرض. وافتتاح الكلام بالأمر بالقول للاهتمام بإبلاغه ، كما تقدّم عند قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) [الأنعام : ٤٠].
وقد تكرّر الأمر بالقول من هنا إلى قوله (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) [الأنعام : ٦٧] اثنتي عشرة مرة.