يجوز أن يجعل (فَتَطْرُدَهُمْ) منصوبا في جواب النفي من قوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ، أي لا تطردهم إجابة لرغبة أعدائهم.
وقوله : (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) عطف على (فَتَطْرُدَهُمْ) متفرّع عليه ، أي فتكون من الظالمين بطردهم ، أي فكونه من الظالمين منتف تبعا لانتفاء سببه وهو الطرد.
وإنّما جعل طردهم ظلما لأنّه لما انتفى تكليفه بأن يحاسبهم صار طردهم لأجل إرضاء غيرهم ظلما لهم. وفيه تعريض بالذين سألوا طردهم لإرضاء كبريائهم بأنّهم ظالمون مفطرون على الظلم ؛ ويجوز أن يجعل قوله : (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) منصوبا في جواب النهي ، ويجعل قوله (فَتَطْرُدَهُمْ) جيء به على هذا الأسلوب لتجديد ربط الكلام لطول الفصل بين النهي وجوابه بالظرف والحال والتعليل ؛ فكان قوله (فَتَطْرُدَهُمْ) كالمقدّمة لقوله (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) وليس مقصود بالذات للجوابية ؛ فالتقدير : فتكون من الظالمين بطردهم.
(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣))
الواو استئنافية كما هي في نظائره. والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأنّ السامع لمّا شعر بقصّة أومأ إليها قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) [الأنعام : ٥٢] الآية يأخذه العجب من كبرياء عظماء أهل الشرك وكيف يرضون البقاء في ضلالة تكبّرا عن غشيان مجلس فيه ضعفاء الناس من الصالحين ، فأجيب بأنّ هذا الخلق العجيب فتنة لهم خلقها الله في نفوسهم بسوء خلقهم.
وقعت هذه الجملة اعتراضا بين الجملتين المتعاطفتين تعجيلا للبيان ، وقرنت بالواو للتنبيه على الاعتراض ، وهي الواو الاعتراضية ، وتسمّى الاستئنافية ؛ فبيّن الله أنّ داعيهم إلى طلب طردهم هو احتقار في حسد ؛ والحسد يكون أعظم ما يكون إذا كان الحاسد يرى نفسه أولى بالنعمة المحسود عليها ، فكان ذلك الداعي فتنة عظيمة في نفوس المشركين إذ جمعت كبرا وعجبا وغرورا بما ليس فيهم إلى احتقار للأفاضل وحسد لهم ، وظلم لأصحاب الحق ، وإذ حالت بينهم وبين الإيمان والانتفاع بالقرب من مجلس الرسول صلىاللهعليهوسلم.
والتشبيه مقصود منه التعجيب من المشبّه بأنّه بلغ الغاية في العجب.