من التقديم لضرب من التفاؤل. وأمّا تعريفه مع الرفع فلدخول لام تعريف الجنس عليه.
وكلمة (على) في الحالتين للدلالة على تمكّن التلبّس بالأمان ، أي الأمان مستقرّ منكم متلبّس بكم ، أي لا تخف.
وأمّا إن نصبوا مع التنكير فعلى اعتباره كمصدر سلم ، فهو مفعول مطلق أتى بدلا من فعله. تقديره : سلّمت سلاما ، فلذلك لا يؤتى معه ب (على). ثم إنّهم يرفعونه أيضا على هذا الاعتبار فلا يأتون معه ب (على) لقصد الدلالة على الدوام والثبات بالجملة الاسمية بالرفع ، لأنّه يقطع عنه اعتبار البدلية عن الفعل ولذلك يتعيّن تقدير مبتدأ ، أي أمركم سلام ، على حدّ (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف : ١٨]. والرفع أقوى ، ولذلك قيل : إنّ إبراهيم ردّ تحيّة أحسن من تحية الملائكة ، كما حكي بقوله تعالى : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) [هود : ٦٩]. وقد ورد في ردّ السلام أن يكون بمثل كلمة السلام الأولى ، كقوله تعالى : (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) [الواقعة : ٢٦] وورد بالتعريف والتنكير فينبغي جعل الردّ أحسن دلالة. فأمّا التعريف والتنكير فهما سواء لأنّ التعريف تعريف الجنس. ولذلك جاء في القرآن ذكر عيسى (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ) [مريم : ١٥] وجاء أنّه قال : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) [مريم : ٣٣].
وجملة (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) مستأنفة استئنافا ابتدائيا وهي أول المقصود من المقول ، وأمّا السلام فمقدّمة للكلام. وجوّز بعضهم أن تكون كلاما ثانيا. وتقدّم تفسير نظيره في قوله تعالى : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) في هذه السورة [١٢]. فقوله هنا (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) تمهيد لقوله : (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) إلخ.
وقوله : (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) قرأه نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، ويعقوب ـ بفتح الهمزة ـ على أنّه بدل من (الرَّحْمَةَ) بدل اشتمال ، لأنّ الرحمة العامّة تشتمل على غفران ذنب من عمل ذنبا ثم تاب وأصلح. وقرأه الباقون ـ بكسر الهمزة ـ على أن يكون استئنافا بيانيا لجواب سؤال متوقّع عن مبلغ الرحمة. (ومن) شرطية ، وهي أدلّ على التعميم من الموصولة. والباء في قوله : (بِجَهالَةٍ) للملابسة ، أي ملتبسا بجهالة. والمجرور في موضع الحال من ضمير (عَمِلَ).
والجهالة تطلق على انتفاء العلم بشيء ما. وتطلق على ما يقابل الحلم ، وقد تقدّم في قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) في سورة النساء [١٧]. والمناسب هنا هو المعنى الثاني ، أي من عمل سوءا عن حماقة من نفسه وسفاهة ،