فهو لا يخبر إلّا بالحق. و (الْحَقَ) منصوب على المفعولية به على الاحتمالين.
وقرأ الباقون يقض ـ بسكون القاف وبضاد معجمة مكسورة ـ على أنّه مضارع (قضى) ، وهو في المصحف بغير ياء. فاعتذر عن ذلك بأنّ الياء حذفت في الخطّ تبعا لحذفها في اللفظ في حال الوصل ، إذ هو غير محلّ وقف ، وذلك ممّا أجري فيه الرسم على اعتبار الوصل على النادر كما كتب (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) [العلق : ١٨]. قال مكّي قراءة الصّاد (أي المهملة) أحبّ إليّ لاتّفاق الحرميين (أي نافع وابن كثير) عليها ولأنّه لو كان من القضاء للزمت الباء الموحّدة فيه ، يعني أن يقال : يقص بالحق. وتأويله بأنّه نصب على نزع الخافض نادر. وأجاب الزّجاج بأنّ (الْحَقَ) منصوب على المفعولية المطلقة ، أي القضاء الحقّ ، وعلى هذه القراءة ينبغي أن لا يوقف عليه لئلّا يضطرّ الواقف إلى إظهار الياء فيخالف الرسم المصحفي.
وجملة : (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) أي يقصّ ويخبر بالحقّ ، وهو خير من يفصل بين الناس ، أو يقضي بالحقّ ، وهو خير من يفصل القضاء.
والفصل يطلق بمعنى القضاء. قال عمر في كتابه إلى أبي موسى «فإنّ فصل القضاء يورث الضغائن». ويطلق بمعنى الكلام الفاصل بين الحقّ والباطل ، والصواب والخطأ ، ومنه قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) [ص : ٢٠] وقوله : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) [الطارق : ١٣]. فمعنى (خَيْرُ الْفاصِلِينَ) يشمل القول الحقّ والقضاء العدل.
(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨))
استئناف بياني لأنّ قوله : (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) [الأنعام : ٥٧] يثير سؤالا في نفس السامع أن يقول : فلو كان بيدك إنزال العذاب بهم ما ذا تصنع ، فأجيب بقوله : (لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) الآية. وإذ قد كان قوله : (لَوْ أَنَّ عِنْدِي) إلخ استئنافا بيانيا فالأمر بأن يقوله في قوة الاستئناف البياني لأنّ الكلام لمّا بني كلّه على تلقين الرسول ما يقوله لهم فالسائل يتطلّب من الملقّن ما ذا سيلقّن به رسوله إليهم. ومعنى (عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) تقدّم آنفا ، أي لو كان في علمي حكمته وفي قدرتي فعله. وهذا كناية عن معنى لست إلها ولكنّني عبد أتّبع ما يوحى إليّ.
وقوله : (لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) جواب (لَوْ). فمعنى (لَقُضِيَ) تمّ وانتهى.