والأمر مراد به النزاع والخلاف. فالتعريف فيه للعهد ، وبني (لَقُضِيَ الْأَمْرُ) للمجهول لظهور أنّ قاضيه هو من بيده ما يستعجلون به.
وتركيب (قضي الأمر) شاع فجرى مجرى المثل ، فحذف الفاعل ليصلح التمثّل به في كلّ مقام ، ومنه قوله : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) [يوسف : ٤١] وقوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) [الشورى : ٢١] وقوله : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ) [مريم : ٣٩] ؛ ولذلك إذا جاء في غير طريقة المثل يصرّح بفاعله كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) [الحجر : ٦٦].
وذلك القضاء يحتمل أمورا : منها أن يأتيهم بالآية المقترحة فيؤمنوا ، أو أن يغضب فيهلكهم ، أو أن يصرف قلوبهم عن طلب ما لا يجيبهم إليه فيتوبوا ويرجعوا.
وجملة : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) تذييل ، أي الله أعلم منّي ومن كلّ أحد بحكمة تأخير العذاب وبوقت نزوله ، لأنّه العليم الخبير الذي عنده ما تستعجلون به. والتعبير (بِالظَّالِمِينَ) إظهار في مقام ضمير الخطاب لإشعارهم بأنّهم ظالمون في شركهم إذ اعتدوا على حقّ الله ، وظالمون في تكذيبهم إذ اعتدوا على حقّ الله ورسوله ، وظالمون في معاملتهم الرسول صلىاللهعليهوسلم.
(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩))
عطف على جملة : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) [الأنعام : ٥٨] على طريقة التخلّص. والمناسبة في هذا التخلّص هي الإخبار بأنّ الله أعلم بحالة الظالمين ، فإنّها غائبة عن عيان الناس ، فالله أعلم بما يناسب حالهم من تعجيل الوعيد أو تأخيره ، وهذا انتقال لبيان اختصاصه تعالى بعلم الغيب وسعة علمه ثم سعة قدرته وأنّ الخلق في قبضة قدرته. وتقديم الظرف لإفادة الاختصاص ، أي عنده لا عند غيره. والعندية عندية علم واستئثار وليست عندية مكان.
والمفاتح جمع مفتح ـ بكسر الميم ـ وهو الآلة التي يفتح بها المغلق ، وتسمّى المفتاح. وقد قيل : إنّ مفتح أفصح من مفتاح ، قال تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) [القصص : ٧٦].