والتضرّع : التذلّل ، كما تقدّم في قوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) في هذه السورة[٤٢]. وهو منصوب على الحال مؤوّلا باسم الفاعل. والخفية ـ بضم الخاء وكسرها ـ ضد الجهر. وقرأه الجمهور بضم ـ الخاء ـ. وقرأه أبو بكر عن عاصم ـ بكسر الخاء ـ وهو لغة مثل أسوة وإسوة. وعطف (خُفْيَةً) على (تَضَرُّعاً) إمّا عطف الحال على الحال كما تعطف الأوصاف فيكون مصدرا مؤوّلا باسم الفاعل ، وإما أن يكون عطف المفعول المطلق على الحال على أنّه مبيّن لنوع الدعاء ، أي تدعونه في الظلمات مخفين أصواتكم خشية انتباه العدوّ من النّاس أو الوحوش.
وجملة لئن أنجيتنا في محلّ نصب بقول محذوف ، أي قائلين. وحذف القول كثير في القرآن إذا دلّت عليه قرينة الكلام. واللام في (لَئِنْ) الموطّئة للقسم ، واللام في (لَنَكُونَنَ) لام جواب القسم. وجيء بضمير الجمع إمّا لأنّ المقصود حكاية اجتماعهم على الدعاء بحيث يدعو كلّ واحد عن نفسه وعن رفاقه. وإمّا أريد التعبير عن الجمع باعتبار التوزيع مثل : ركب القوم خيلهم ، وإنّما ركب كلّ واحد فرسا.
وقرأ الجمهور أنجيتنا ـ بمثناة تحتية بعد الجيم ومثناة فوقية بعد التحتية ـ. وقرأه عاصم ، وحمزة ، والكسائي وخلف (أَنْجانا) ـ بألف بعد الجيم ـ والضمير عائد إلى (مَنْ) في قوله : (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ).
والإشارة ب (هذِهِ) إلى الظلمة المشاهدة للمتكلّم باعتبار ما ينشأ عنها ، أو باعتبار المعنى المجازي وهو الشدّة ، أو إلى حالة يعبّر عنها بلفظ مؤنّث مثل الشدّة أو الورطة أو الربقة.
والشاكر هو الذي يراعي نعمة المنعم فيحسن معاملته كلّما وجد لذلك سبيلا. وقد كان العرب يرون الشكر حقّا عظيما ويعيّرون من يكفر النعمة.
وقولهم : (مِنَ الشَّاكِرِينَ) أبلغ من أن يقال : لنكوننّ شاكرين ، كما تقدّم عند قوله تعالى : (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [الأنعام : ٥٦].
وجملة : (قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها) تلقين لجواب الاستفهام من قوله : (مَنْ يُنَجِّيكُمْ) أن يجيب عن المسئولين ، ولذلك فصلت جملة (قُلِ) لأنّها جارية مجرى القول في المحاورة ، كما تقدّم في هذه السورة. وتولّى الجواب عنهم لأنّ هذا الجواب لا يسعهم إلّا الاعتراف به.