وقدّم المسند إليه على الخبر الفعلي لإفادة الاختصاص ، أي الله ينجيكم لا غيره ، ولأجل ذلك صرّح بالفعل المستفهم عنه. ولو لا هذا لاقتصر على (قُلِ اللهُ). والضمير في (مِنْها) للظلمات أو للحادثة. وزاد (مِنْ كُلِّ كَرْبٍ) لإفادة التعميم ، وأنّ الاقتصار على ظلمات البرّ والبحر بالمعنيين لمجرّد المثال.
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وهشام عن ابن عامر ، ويعقوب (يُنَجِّيكُمْ) ـ بسكون النون وتخفيف الجيم ـ على أنّه من أنجاه ، فتكون الآية جمعت بين الاستعمالين. وهذا من التفنّن لتجنّب الإعادة. ونظيره (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ) [الطارق : ١٧]. وقرأه ابن ذكوان عن ابن عامر ، وأبو جعفر ، وخلف ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي (يُنَجِّيكُمْ) ـ بالتشديد ـ مثل الأولى.
و (ثُمَ) من قوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) للترتيب الرتبي لأنّ المقصود أنّ إشراكهم مع اعترافهم بأنّهم لا يلجئون إلّا إلى الله في الشدائد أمر عجيب ، فليس المقصود المهلة.
وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي لمجرّد الاهتمام بخبر إسناد الشرك إليهم ، أي أنتم الذين تتضرّعون إلى الله باعترافكم تشركون به من قبل ومن بعد ، من باب (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٨٥] ، ومن باب : لو غيرك قالها ، ولو ذات سوار لطمتني.
وجيء بالمسند فعلا مضارعا لإفادة تجدّد شركهم وأنّ ذلك التجدّد والدوام عليه أعجب.
والمعنى أنّ الله أنجاكم فوعدتم أن تكونوا من الشاكرين فإذا أنتم تشركون. وبين (الشَّاكِرِينَ) و (تُشْرِكُونَ) الجناس المحرّف.
(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥))
(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ).
استئناف ابتدائي عقّب به ذكر النعمة التي في قوله : (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ) بذكر القدرة على الانتقام ، تخويفا للمشركين. وإعادة فعل الأمر بالقول مثل إعادته في نظائره للاهتمام المبيّن عند قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) [الأنعام : ٤٠].