(أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) هم المشركون. وجيء بالمسند إليه ضميرا بارزا للتوبيخ.
والامتراء : الشكّ والتردّد في الأمر ، وهو بوزن الافتعال ، مشتقّ من المرية ـ بكسر الميم ـ اسم للشكّ ، ولم يرد فعله إلّا بزيادة التاء ، ولم يسمع له فعل مجرّد.
وحذف متعلّق (تَمْتَرُونَ) لظهوره من المقام ، أي تمترون في إمكان البعث وإعادة الخلق. والذي دلّ على أنّ هذا هو المماري فيه قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) إذ لو لا قصد التذكير بدليل إمكان البعث لما كان لذكر الخلق من الطين وذكر الأجل الأول والأجل الثاني مرجّح للتخصيص بالذكر.
(وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (٣))
عطف على قوله (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) [الأنعام : ٢] أي ، خلقكم ولم يهمل مراقبتكم ، فهو يعلم أحوالكم كلّها.
فالضمير مبتدأ عائد إلى اسم الجلالة من قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وليس ضمير فصل إذ لا يقع ضمير الفصل بعد حرف العطف. وقوله : (اللهُ) خبر عن المبتدأ. وإذ كان المبتدأ ضميرا عائدا إلى اسم الله لم يكن المقصود الإخبار بأنّ هذا الذي خلق وقضى هو الله إذ قد علم ذلك من معاد الضمائر ، فتعيّن أن يكون المقصود من الإخبار عنه بأنّه الله معنى يفيده المقام ، وذلك هو أن يكون كالنتيجة للأخبار الماضية ابتداء من قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ) [الأنعام : ١] فنبّه على فساد اعتقاد الذين أثبتوا الإلهية لغير الله وحمدوا آلهتهم بأنّه خالق الأكوان وخالق الإنسان ومعيده ، ثم أعلن أنّه المنفرد بالإلهية في السماوات وفي الأرض ؛ إذ لا خالق غيره كما تقرّر آنفا ، وإذ هو عالم السرّ والجهر ، وغيره لا إحساس له فضلا عن العقل فضلا عن أن يكون عالما. ولمّا كان اسم الجلالة معروفا عندهم لا يلتبس بغيره صار قوله : (وَهُوَ اللهُ) في معنى الموصوف بهذه الصفات هو صاحب هذا الاسم لا غيره.
وقوله : (فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) متعلّق بالكون المستفاد من جملة القصر ، أو بما في (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الأنعام : ١] من معنى الانفراد بالإلهية ، كما يقول من يذكر جوادا ثم يقول : هو حاتم في العرب ، وهذا لقصد التنصيص على أنّه لا يشاركه أحد في صفاته في الكائنات كلّها.
وقوله : (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) جملة مقرّرة لمعنى جملة (وَهُوَ اللهُ) ولذلك