تذكّرت فلا تقعد ، وهو ضدّ فأعرض ، وذلك أنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه.
وقرأ الجمهور : (يُنْسِيَنَّكَ) ـ بسكون النون وتخفيف السين ـ. وقرأه ابن عامر ـ بفتح النون وتشديد السين ـ من التنسية ، وهي مبالغة في أنساه. ومن العلماء من تأوّل هذه الآية بأنّها مما خوطب به النبي صلىاللهعليهوسلم والمراد أمّته ، كقوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] قال أبو بكر بن العربي إذا عذرنا أصحابنا في قولهم ذلك في (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) لاستحالة الشرك عليه فلا عذر لهم في هذه الآية لجواز النسيان عليه.
والقوم الظالمون هم الذين يخوضون في آيات الله ، فهذا من الإظهار في مقام الإضمار لزيادة فائدة وصفهم بالظلم ، فيعلم أنّ خوضهم في آيات الله ظلم ، فيعلم أنّه خوض إنكار للحقّ ومكابرة للمشاهدة.
(وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩))
لمّا كان الإعراض عن مجالس الذين يخوضون بالطعن في الآيات قد لا يحول دون بلوغ أقوالهم في ذلك إلى أسماع المؤمنين من غير قصد أتبع الله النهي السابق بالعفو عمّا تتلقّفه أسماع المؤمنين من ذلك عفوا ، فتكون الآية عذرا لما يطرق أسماع المؤمنين من غير قعودهم مع الطاعنين.
والمراد ب (الَّذِينَ يَتَّقُونَ) المؤمنون ، والنبي صلىاللهعليهوسلم هو أوّل المتّقين ، فالموصول كتعريف الجنس فيكون شاملا لجميع المسلمين كما كان قوله (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) [الأنعام: ٦٨] حكمه شاملا لبقية المسلمين بحكم التبع. وقال جمع من المفسّرين : كانت آية (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) [الأنعام : ٦٨] خاصّة بالنبيءصلىاللهعليهوسلم وجاء قوله تعالى : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) رخصة لغير النبي من المسلمين في الحضور في تلك المجالس لأنّ المشركين كان يغضبهم قيام النبي من مجالسهم. ونسب هذا إلى ابن عبّاس ، والسديّ ، وابن جبير ، فيكون عموم الموصول في قوله : (الَّذِينَ يَتَّقُونَ) مخصوصا بما اقتضته الآية التي قبلها.
وروى البغوي عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) [الأنعام : ٦٨] قال المسلمون : كيف نقعد في المسجد الحرام ونطوف بالبيت وهم يخوضون أبدا. فأنزل الله عزوجل (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)