واللام في قوله : (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) متعلّقة ب (لِنُسْلِمَ) لأنّه معنى تخلّص له ، قال : (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ). وقد تقدّم القول في معنى الإسلام عند قوله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) في سورة البقرة [١٣١]. وفي ذكر اسم الله تعالى بوصف الربوبية لجميع الخلق دون اسمه العلم إشارة إلى تعليل الأمر وأحقّيّته.
وقوله : (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) إن جعلت (أن) فيه مصدرية على قول سيبويه ، إذ يسوّغ دخول (أن) المصدرية على فعل الأمر فتفيد الأمر والمصدرية معا لأنّ صيغة الأمر لم يؤت بها عبثا ، فقول المعربين : إنّه يتجرّد عن الأمرية ، مرادهم به أنّه تجرّد عن معنى فعل الأمر إلى معنى المصدرية فهو من عطف المفردات. وهو إمّا عطف على (لِنُسْلِمَ) بتقدير حرف جرّ محذوف قبل (أن) وهو الباء. وتقدير الحرف المحذوف يدلّ عليه معنى الكلام ، وإمّا عطف على معنى (لِنُسْلِمَ) لأنّه وقع في موقع بأن نسلم ، كما تقدّم عن الزجّاج. فالتقدير : أمرنا بأن نسلم ، ثم عطف عليه (وَأَنْ أَقِيمُوا) أي وأمرنا بأن أقيموا ، والعطف على معنى اللفظ وموقعه استعمال عربي ، كقوله تعالى : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) [المنافقون : ١٠] إذ المعنى إن تؤخّرني أصّدّق وأكن.
وإن جعلت (أن) فيه تفسيرية فهو من عطف الجمل. فيقدّر قوله : (أُمِرْنا لِنُسْلِمَ) بأمرنا أن أسلموا لنسلم (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) ، أي لنقيم فيكون في الكلام احتباك.
وأظهر من هذا أن تكون (أن) تفسيرية. وهي تفسير لما دلّت عليه واو العطف من تقدير العامل المعطوف عليه ، وهو (وَأُمِرْنا) ، فإنّ (أُمِرْنا) فيه معنى القول دون حروفه فناسب موقع (أن) التفسيرية.
وتقدّم معنى إقامة الصلاة في صدر سورة البقرة [٣].
و (اتَّقُوهُ) عطف على (أَقِيمُوا) ويجري فيه ما قرّر في قوله (وَأَنْ أَقِيمُوا). والضمير المنصوب عائد إلى (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) وهو من الكلام الذي أمروا بمقتضاه بأن قال الله للمؤمنين : أسلموا لربّ العالمين وأقيموا الصلاة واتّقوه. ويجوز أن يكون محكيا بالمعنى بأن قال الله : اتّقون ، فحكي بما يوافق كلام النبي المأمور بأن يقوله بقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) ، كما في حكاية قول عيسى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) [المائدة : ١١٧].
وجمع قوله : (وَاتَّقُوهُ) جميع أمور الدين ، وتخصيص إقامة الصلاة بالذكر