إليه ويلتزم حذفه. وقد تقدّم بيانه عند قوله تعالى : (مَقامُ إِبْراهِيمَ) في سورة آل عمران [٩٧] ، فلذلك قال هنا (عالِمُ الْغَيْبِ) فحذف المسند إليه ثم لم يحذف المسند إليه في قوله : (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ).
والغيب : ما هو غائب. وقد تقدّم بيانه عند قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) في سورة البقرة [٣] ، وعند قوله (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) في هذه السورة [٥٩].
والشهادة : ضدّ الغيب ، وهي الأمور التي يشاهدها الناس ويتوصّلون إلى علمها يقال : شهد ، بمعنى حضر ، وضدّه غاب ، ولا تخرج الموجودات عن الاتّصاف بهذين الوصفين ، فكأنّه قيل : العالم بأحوال جميع الموجودات. والتعريف في (الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) للاستغراق ، أي عالم كلّ غيب وكلّ شهادة.
وقوله : (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) عطف على قوله : (عالِمُ الْغَيْبِ). وصفة (الْحَكِيمُ) تجمع إتقان الصنع فتدلّ على عظم القدرة مع تعلّق العلم بالمصنوعات. وصفة (الْخَبِيرُ) تجمع العلم بالمعلومات ظاهرها وخفيّها. فكانت الصفتان كالفذلكة لقوله : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) ولقوله (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ).
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٧٤))
عطف على الجمل السابقة التي أولاها (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ) [الأنعام : ٦٦] المشتملة على الحجج والمجادلة في شأن إثبات التوحيد وإبطال الشرك ، فعقّبت تلك الحجج بشاهد من أحوال الأنبياء بذكر مجادلة أول رسول أعلن التوحيد وناظر في إبطال الشرك بالحجّة الدامغة والمناظرة الساطعة ، ولأنّها أعدل حجّة في تاريخ الدين إذ كانت مجادلة رسول لأبيه ولقومه ، وكانت أكبر حجّة على المشركين من العرب بأنّ أباهم لم يكن مشركا ولا مقرّا للشرك في قومه ، وأعظم حجّة للرسول صلىاللهعليهوسلم إذ جاءهم بالإقلاع عن الشرك.
والكلام في افتتاح القصّة ب (إِذْ) بتقدير اذكر تقدّم عند قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) في سورة البقرة [٣٠].
و (آزَرَ) ظاهر الآية أنّه أبو إبراهيم. ولا شكّ أنّه عرف عند العرب أنّ أبا إبراهيم