لتعدية فعل (تُشْرِكُونَ) ، وأن يكون عائدا إلى (ما) الموصولة فتكون الباء سببية ، أي الأصنام التي بسببها أشركتم.
وقوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) استثناء ممّا قبله وقد جعله ابن عطية استثناء منقطعا بمعنى لكن. وهو ظاهر كلام الطبري ، وهو الأظهر فإنّه لمّا نفى أن يكون يخاف إضرار آلهتهم وكان ذلك قد يتوهّم منه السّامعون أنّه لا يخاف شيئا استدرك عليه بما دلّ عليه الاستثناء المنقطع ، أي لكن أخاف مشيئة ربّي شيئا ممّا أخافه ، فذلك أخافه. وفي هذا الاستدراك زيادة نكاية لقومه إذ كان لا يخاف آلهتهم في حين أنّه يخشى ربّه المستحقّ للخشية إن كان قومه لا يعترفون بربّ غير آلهتهم على أحد الاحتمالين المتقدّمين.
وجعل الزمخشري ومتابعوه الاستثناء متّصلا مفرّغا عن مستثنى منه محذوف دلّ عليه الكلام ، فقدّره الزمخشري من أوقات ، أي لا أخاف ما تشركون به أبدا ، لأنّ الفعل المضارع المنفي يتعلّق بالمستقبل على وجه عموم الأزمنة لأنّه كالنّكرة المنفية ، أي إلّا وقت مشيئة ربّي شيئا أخافه من شركائكم ، أي بأن يسلّط ربّي بعضها عليّ فذلك من قدرة ربّي بواسطتها لا من قدرتها عليّ. وجوّز أبو البقاء أن يكون المستثنى منه أحوالا عامّة ، أي إلّا حال مشيئة ربّي شيئا أخافه منها.
وجملة : (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) استئناف بياني لأنّه قد يختلج في نفوسهم : كيف يشاء ربّك شيئا تخافه وأنت تزعم أنّك قائم بمرضاته ومؤيد لدينه فما هذا إلّا شكّ في أمرك ، فلذلك فصلت ، أي إنّما لم آمن إرادة الله بي ضرّا وإن كنت عبده وناصر دينه لأنّه أعلم بحكمة إلحاق الضرّ. أو النفع بمن يشاء من عباده. وهذا مقام أدب مع الله تعالى (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) [الأعراف : ٩٩].
وجملة (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) معطوفة على جملة (أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ). وقدّمت همزة الاستفهام على فاء العطف.
والاستفهام إنكار لعدم تذكرهم مع وضوح دلائل التذكّر. والمراد التذكّر في صفات آلهتهم المنافية لمقام الإلهية ، وفي صفات الإله الحقّ التي دلّت عليها مصنوعاته.
(وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١))