بالرفعة ، ولبلوغه إلى من هم دون المخبر ، بنزول الشيء العالي إلى أسفل منه.
والسلطان : الحجّة لأنّها تتسلّط على نفس المخاصم ، أي لم يأتكم خبر منه تجعلونه حجّة على صحّة عبادتكم الأصنام.
والفاء في قوله : (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) تفريع على الإنكار ، والتعجيب فرع عليهما استفهاما ملجئا إلى الاعتراف بأنّهم أولى بالخوف من الله من إبراهيم من آلهتهم. والاستفهام ب (فَأَيُ) للتقرير بأنّ فريقه هو وحده أحقّ بالأمن.
والفريق : الطائفة الكثيرة من النّاس المتميّزة عن غيرها بشيء يجمعها من نسب أو مكان أو غيرهما ، مشتقّ من فرق إذا ميّز. والفرقة أقلّ من الفريق ، وأراد بالفريقين هنا قومه ونفسه ، فأطلق على نفسه الفريق تغليبا ، أو أراد نفسه ومن تبعه إن كان له أتباع ساعتئذ ، قال تعالى : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) [العنكبوت : ٢٦] ، أو أراد من سيوجد من أتباع ملّته ، كما يناسب قوله (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) [الأنعام : ٨٢].
والتعريف في (الْأَمْنُ) للجنس ، وهو ضدّ الخوف ، وجملة (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) مستأنفة ابتدائية ، وجواب شرطها محذوف دلّ عليه الاستفهام ، تقديره : فأجيبوني ، وفيه استحثاث على الجواب.
(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢))
هذه الجملة من حكاية كلام إبراهيم على ما ذهب إليه جمهور المفسّرين فيكون جوابا منه عن قوله : (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ) [الأنعام : ٨١]. تولّى جواب استفهامه بنفسه ولم ينتظر جوابهم لكون الجواب ممّا لا يسع المسئول إلّا أن يجيب بمثله ، وهو تبكيت لهم. قال ابن عبّاس : كما يسأل العالم ويجيب نفسه بنفسه ، أي بقوله : «فإن قلت قلت». وقد تقدّمت نظائره في هذه السورة.
وقيل : ليس ذلك من حكاية كلام إبراهيم ، وقد انتهى قول إبراهيم عند قوله (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنعام : ٨١] بل هو كلام مستأنف من الله تعالى لابتداء حكم ، فتكون الجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا تصديقا لقول إبراهيم.
وقيل : هو حكاية لكلام صدر من قوم إبراهيم جوابا عن سؤال إبراهيم (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ) [الأنعام : ٨١]. ولا يصحّ لأنّ الشأن في ذلك أن يقال : قال الذين