على أصولهم نظرا لهذا الذي ذكرناه.
والإشارة بقوله : (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) للتنبيه على أنّ المسند إليه جدير بالمسند من أجل ما تقدّم من أوصاف المسند إليه وهذا كقوله (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥]. وقوله (لَهُمُ الْأَمْنُ) أشارت اللّام إلى أنّ الأمن مختصّ بهم وثابت ، وهو أبلغ من أن يقال : آمنون. والمراد الأمن من عذاب الدنيا بالاستئصال ونحوه وما عذّبت به الأمم الجاحدة ، ومن عذاب الآخرة إذ لم يكن مطلوبا منهم حينئذ إلّا التّوحيد. والتّعريف في (الْأَمْنُ) تعريف الجنس ، وهو الأمن المتقدّم ذكره ، لأنّه جنس واحد ، وليس التّعريف تعريف العهد حتّى يجيء فيه قولهم : إنّ المعرفة إذا أعيدت معرفة فالثّانية عين الأولى إذ لا يحتمل هنا غير ذلك.
وقوله : (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) معطوف على قوله : (لَهُمُ الْأَمْنُ) عطف جزء جملة على الجملة التي هي في حكم المفرد ، فيكون (مُهْتَدُونَ) خبرا ثانيا عن اسم الإشارة عطف عليه بالواو على إحدى الطريقتين في الأخبار المتكرّرة.
والضمير للفصل ليفيد قصر المسند على المسند إليه ، أي الاهتداء مقصور على الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم دون غيرهم ، أي أنّ غيرهم ليسوا بمهتدين ، على طريقة قوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة : ٥٥] وقوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) [التوبة : ١٠٤]. وفيه إشارة إلى أنّ المخبر عنهم لمّا نبذوا الشّرك فقد اهتدوا.
ويجوز أن يكون قوله : (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) جملة ، بأن يكون ضمير الجمع مبتدأ و (مُهْتَدُونَ) خبره ، والجملة معطوفة على جملة (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) ، فيكون خبرا ثانيا عن اسم الموصول ، ويكون ذكر ضمير الجمع لأجل حسن العطف لأنّه لمّا كان المعطوف عليه جملة اسميّة لم يحسن أن يعطف عليه مفرد في معنى الفعل ، إذ لا يحسن أن يقال : أولئك لهم الأمن ومهتدون ؛ فصيغ المعطوف في صورة الجملة. وحينئذ فالضمير لا يفيد اختصاصا إذ لم يؤت به للفصل ، وهذا النظم نظير قوله تعالى : (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التغابن : ١] وقوله : تعالى : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الحديد : ٢] على اعتبار (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عطفا على (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما بينهما حال ، وهذا من محسّنات الوصل كما عرف في البلاغة ، وهو من بدائع نظم الكلام العربي.