إنّما تضاف إليه إذا كان مرتقيا عليها ، والإتيان بصيغة الجمع في (دَرَجاتٍ) باعتبار صلاحيّة (مَنْ نَشاءُ) لأفراد كثيرين متفاوتين في الرفعة ، ودلّ فعل المشيئة على أنّ التفاضل بينهم بكثرة موجبات التّفضيل ، أو الجمع باعتبار أنّ المفضّل الواحد يتفاوت حاله في تزايد موجبات فضله. وقرأه البقية ـ بتنوين (دَرَجاتٍ) ـ ، فيكون تمييزا لنسبة الرفع باعتبار كون الرفع مجازا في التفضيل. والدرجات مجازا في الفضائل المتفاوتة.
ودلّ قوله (مَنْ نَشاءُ) على أنّ هذا التّكريم لا يكون لكلّ أحد لأنّه لو كان حاصلا لكلّ النّاس لم يحصل الرفع ولا التفضيل.
وجملة : (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) مستأنفة استئنافا بيانيا ، لأنّ قوله : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) يثير سؤالا ، يقول : لما ذا يرفع بعض النّاس دون بعض ، فأجيب بأنّ الله يعلم مستحقّ ذلك ومقدار استحقاقه ويخلق ذلك على حسب تعلّق علمه. فحكيم بمعنى محكم ، أي متقن للخلق والتّقدير. وقدم (حَكِيمٌ) على (عَلِيمٌ) لأنّ هذا التّفضيل مظهر للحكمة ثمّ عقّب ب (عَلِيمٌ) ليشير إلى أنّ ذلك الإحكام جار على وفق العلم.
[٨٤ ـ ٨٧] (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧))
جملة (وَوَهَبْنا) عطف على جملة (آتَيْناها) [الأنعام : ٨٣] لأنّ مضمونها تكرمة وتفضيل. وموقع هذه الجملة وإن كانت معطوفة هو موقع التذييل للجمل المقصود منها إبطال الشرك وإقامة الحجج على فساده وعلى أنّ الصالحين كلّهم كانوا على خلافه.
والوهب والهبة : إعطاء شيء بلا عوض ، وهو هنا مجاز في التّفضّل والتّيسير. ومعنى هبة يعقوب لإبراهيم أنّه ولد لابنه إسحاق في حياة إبراهيم وكبر وتزوّج في حياته فكان قرّة عين لإبراهيم.
وقد مضت ترجمة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ عند قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) [البقرة : ١٢٤]. وترجمة إسحاق ، ويعقوب ، عند قوله تعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ