وخبرها لأنّ ليس بمنزلة حرف نفي إذ هي فعل غير متصرّف فجملتها تدلّ على دوام نفي الكفر عنهم ، وأدخلت الباء في خبر (ليس) لتأكيد ذلك النّفي فصار دوام نفي مؤكّدا.
والمعنى إن يكفر المشركون بنبوتك ونبوءة من قبلك فلا يضرّك كفرهم لأنّا قد وفّقنا قوما مؤمنين للإيمان بك وبهم ، فهذا تسلية للرّسول صلىاللهعليهوسلم على إعراض بعض قومه عن دعوته.
وتقديم المجرور على عامله في قوله (لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) لرعاية الفاصلة مع الاهتمام بمعاد الضمير : الكتاب والحكم والنّبوءة.
(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠))
(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ).
جملة ابتدائية قصد من استئنافها استقلالها للاهتمام بمضمونها ، ولأنّها وقعت موقع التّكرير لمضمون الجملتين اللّتين قبلها : جملة (وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأنعام : ٨٧] وجملة (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ) والنبوءة [الأنعام : ٨٩]. وحقّ التكرير أن يكون مفصولا ، وليبنى عليها التّفريع في قوله : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ). والمشار إليهم باسم الإشارة هم المشار إليهم بقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ) والنبوءة [الأنعام : ٨٩] فإنّهم الّذين أمر نبيّنا صلىاللهعليهوسلم بالاقتداء بهداهم. وتكرير اسم الإشارة لتأكيد تمييز المشار إليه ولما يقتضيه التكرير من الاهتمام بالخبر.
وأفاد تعريف المسند والمسند إليه قصر جنس الّذين هداهم الله على المذكورين تفصيلا وإجمالا ، لأنّ المهديين من البشر لا يعدون أن يكونوا أولئك المسمّين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ، فإنّ من آبائهم آدم وهو الأب الجامع للبشر كلّهم ، فأريد بالهدى هدى البشر ، أي الصرف عن الضلالة ، فالقصر حقيقي. ولا نظر لصلاح الملائكة لأنّه صلاح جبليّ. وعدل عن ضمير المتكلّم إلى اسم الجلالة الظاهر لقرن هذا الخبر بالمهابة والجلالة.
وقوله : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) تفريع على كمال ذلك الهدى ، وتخلّص إلى ذكر حظّ محمّد صلىاللهعليهوسلم من هدى الله بعد أن قدّم قبله مسهب ذكر الأنبياء وهديهم إشارة إلى علوّ منزلة