الأنصاري يوم نوبته فضرب بأبي ضربا شديدا فقال : أثمّ هو». إلخ. والتّقدير : لا أسألكم على التّبليغ أو الدّعاء أجرا وما دعائي وتبليغي إلّا ذكرى بالقرآن وغيره من الأقوال.
والذّكرى اسم مصدر الذكر ـ بالكسر ـ ، وهو ضدّ النّسيان ، وتقدّم آنفا. والمراد بها هنا ذكر التّوحيد والبعث والثّواب والعقاب.
وجعل الدّعوة ذكرى للعالمين ، لأنّ دعوته صلىاللهعليهوسلم عامّة لسائر النّاس. وقد أشعر هذا بأنّ انتفاء سؤال الأجر عليه لسببين : أحدهما : أنّه ذكرى لهم ونصح لنفعهم فليس محتاجا لجزاء منهم ، ثانيهما : أنّه ذكرى لغيرهم من النّاس وليس خاصّا بهم.
(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١))
وجود واو العطف في صدر هذه الجملة ينادي على أنّها نزلت متناسقة مع الجمل الّتي قبلها ، وأنّها وإيّاها واردتان في غرض واحد هو إبطال مزاعم المشركين ، فهذا عطف على جملة (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ) [الأنعام : ٨٩] ، وأنّها ليست ابتدائيّة في غرض آخر. فواو الضّمير في قوله (قَدَرُوا) عائد على ما عاد إليه اسم الإشارة في قوله : (هؤُلاءِ) [الأنعام : ٨٩] كما علمت آنفا. ذلك أنّ المشركين لمّا استشعروا نهوض الحجّة عليهم في نزول القرآن بأنّه ليس بدعا ممّا نزل على الرّسل ، ودحض قولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) [الفرقان : ٧] توغّلوا في المكابرة والجحود فقالوا (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) وتجاهلوا ما كانوا يقولونه عن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وما يعلمونه من رسالة موسى ـ عليهالسلام ـ وكتابه. فروى الطبري عن ابن عبّاس ومجاهد : أنّ قائل ذلك هم المشركون من قريش.
وقد جاءت هذه الآية في هذا الموقع كالنتيجة لما قبلها من ذكر الأنبياء وما جاءوا به
من الهدى والشّرائع والكتب ، فلا جرم أنّ الّذين قالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء ، قد جاءوا إفكا وزورا وأنكروا ما هو معلوم في أجيال البشر بالتّواتر. وهذه الجملة مثل ما حكاه الله عنهم في قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) [سبأ : ٣١]. ومن أئمّة التّفسير من جعل هذا حكاية لقول بعض اليهود ، واختلفوا في أنّه معيّن أو غير معيّن ، فعن ابن عبّاس أيضا ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، والسديّ : أنّ قائل (ما