الجلالة من الإظهار في مقام الإضمار لقصد التّهويل. والأصل بما كنتم تقولون عليّ.
وضمّن (تَقُولُونَ) معنى تكذبون ، فعلّق به قوله : (عَلَى اللهِ) ، فعلم أنّ هذا القول كذب على الله كقوله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) [الحاقة : ٤٤] الآية ، وبذلك يصحّ تنزيل فعل (تَقُولُونَ) منزلة اللازم فلا يقدّر له مفعول لأنّ المراد به أنّهم يكذبون ، ويصحّ جعل غير الحقّ مفعولا ل (تَقُولُونَ) ، وغير الحقّ هو الباطل ، ولا تكون نسبته إلى الله إلّا كذبا.
وشمل (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ) الأقوال الثّلاثة المتقدّمة في قوله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ـ إلى قوله ـ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) وغيرها.
و (غَيْرَ الْحَقِ) حال من (ما) الموصولة أو صفة لمفعول مطلق أو هو المفعول به ل (تَقُولُونَ).
وقوله : (وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ) عطف على (كُنْتُمْ تَقُولُونَ) ، أي وباستكباركم عن آياته. والاستكبار : الإعراض في قلّة اكتراث ، فبهذا المعنى يتعدّى إلى الآيات ، أو أريد من الآيات التأمّل فيها فيكون الاستكبار على حقيقته ، أي تستكبرون عن التدبّر في الآيات وترون أنفسكم أعظم من صاحب تلك الآيات.
وجواب (لو) محذوف لقصد التّهويل. والمعنى : لرأيت أمرا مفظعا. وحذف جواب (لو) في مثل هذا المقام شائع في القرآن. وتقدّم عند قوله تعالى : ولو ترى (الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) في سورة البقرة [١٦٥].
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤))
إن كان القول المقدّر في جملة (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) [الأنعام : ٩٣] قولا من قبل الله تعالى كان قوله (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) عطفا على جملة (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) [الأنعام : ٩٣] ، أي يقال لهم حين دفعهم الملائكة إلى العذاب : أخرجوا أنفسكم ، ويقال لهم : لقد جئتمونا فرادى. فالجملة في محلّ النّصب بالقول المحذوف. وعلى احتمال أن يكون(غَمَراتِ الْمَوْتِ) [الأنعام : ٩٣] حقيقة ، أي في حين النّزع يكون فعل (جِئْتُمُونا) من التّعبير بالماضي