وجعلوا (ما) مصدريّة ، أي ذهب زعمكم أنّها تشفع لكم. وما ذكرناه في تفسير الآية أبلغ وأوقع.
(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦))
استئناف ابتدائي انتقل به من تقرير التّوحيد والبعث والرّسالة وأفانين المواعظ والبراهين الّتي تخلّلت ذلك إلى الاستدلال والاعتبار بخلق الله تعالى وعجائب مصنوعاته المشاهدة ، على انفراده تعالى بالإلهيّة المستلزم لانتفاء الإلهيّة عمّا لا تقدر على مثل هذا الصّنع العجيب ، فلا يحقّ لها أن تعبد ولا أن تشرك مع الله تعالى في العبادة إذ لا حقّ لها في الإلهيّة ، فيكون ذلك إبطالا لشرك المشركين من العرب ، وهو مع ذلك إبطال لمعتقد المعطّلين من الدهريين منهم بطريق الأولى ، وفي ذلك امتنان على المقصودين من الخطاب وهم المشركون بقرينة قوله: (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) ، أي فتكفرون النّعمة. وفيه علم ويقين للمؤمنين من المصدّقين واستزادة لمعرفتهم بربّهم وشكرهم.
وافتتاح الجملة ب (إِنَ) مع أنّه لا ينكر أحد أنّ الله هو فاعل الأفعال المذكورة هنا ، ولكنّ النّظر والاعتبار في دلالة الزّرع على قدرة الخالق على الإحياء بعد الموت كما قدر على إماتة الحي ، لمّا كان نظرا دقيقا قد انصرف عنه المشركون فاجترءوا على إنكار البعث ، كان حالهم كحال من أنكر أو شكّ في أنّ الله فالق الحبّ والنّوى ، فأكّد الخبر بحرف (إن).
وجيء بالجملة الاسميّة للدّلالة على ثبات هذا الوصف دوامه لأنّه وصف ذاتي لله تعالى ، وهو وصف الفعل أو وصف القدرة وتعلّقاتها في مصطلح من لا يثبت صفات الأفعال ، ولمّا كان المقصود الاكتفاء بدلالة فلق الحبّ والنّوى على قدرة الله على إخراج الحيّ من الميّت ، والانتقال من ذلك إلى دلالته على إخراج الحيّ من الميّت في البعث ، لم يؤت في هذا الخبر بما يقتضي الحصر إذ ليس المقام مقام القصر.
والفلق : شقّ وصدع بعض أجزاء الشّيء عن بعض ، والمقصود الفلق الّذي تنبثق منه وشائج النّبت والشّجر وأصولها ، فهو محلّ العبرة من علم الله تعالى وقدرته وحكمته.
والحبّ اسم جمع لما يثمره النّبت ، واحده حبّة. والنّوى اسم جمع نواة ، والنّواة قلب التّمرة. ويطلق على ما في الثّمار من القلوب الّتي منها ينبت شجرها مثل العنب