والإشارة ب (ذلِكُمُ) لزيادة التّمييز وللتّعريض بغباوة المخاطبين المشركين لغفلتهم عن هذه الدّلالة على أنّه المنفرد بالإلهيّة ، أي ذلكم الفاعل الأفعال العظيمة من الفلق وإخراج الحيّ من الميّت والميّت من الحيّ هو الّذي يعرفه الخلق باسمه العظيم الدالّ على أنّه الإله الواحد ، المقصور عليه وصف الإلهيّة فلا تعدلوا به في الإلهيّة غيره ، ولذلك عقّب بالتّفريع بالفاء قوله : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).
والأفك ـ بفتح الهمزة ـ مصدر أفكه يأفكه ، من باب ضرب ، إذا صرفه عن مكان أو عن عمل ، أي فكيف تصرفون عن توحيده.
و (أنّى) بمعنى من أين. وهو استفهام تعجيبي إنكاري ، أي لا يوجد موجب يصرفكم عن توحيده. وبني فعل (تُؤْفَكُونَ) للمجهول لعدم تعيّن صارفهم عن توحيد الله ، وهو مجموع أشياء : وسوسة الشّيطان ، وتضليل قادتهم وكبرائهم ، وهوى أنفسهم.
وجملة (ذلكم الله) مستأنفة مقصود منها الاعتبار ، فتكون جملة : (ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) اعتراضا.
و (فالِقُ الْإِصْباحِ) يجوز أن يكون خبرا رابعا عن اسم (إنّ) ، ويجوز أن يكون صفة لاسم الجلالة المخبر به عن اسم الإشارة ، فيكون قوله : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) اعتراضا. والإصباح ـ بكسر الهمزة ـ في الأصل مصدر أصبح الأفق ، إذا صار ذا صباح ، وقد سمّي به الصباح ، وهو ضياء الفجر فيقابل اللّيل وهو المراد هنا.
وفلق الإصباح استعارة لظهور الضّياء في ظلمة اللّيل ، فشبّه ذلك بفلق الظلمة عن الضّياء ، كما استعير لذلك أيضا السّلخ في قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) [يس : ٣٧]. فإضافة (فالِقُ) إلى (الْإِصْباحِ) حقيقيّة وهي لأدنى ملابسة على سبيل المجاز. وسنبيّنه في الآية الآتية لأنّ اسم الفاعل له شائبة الاسميّة فيضاف إضافة حقيقيّة ، وله شائبة فعلية فيضاف إضافة لفظيّة. وهو هنا لمّا كان دالا على وصف في الماضي ضعف شبهه بالفعل لأنّه إنّما يشبه المضارع في الوزن وزمن الحال أو الاستقبال. وقد يعتبر فيه المفعوليّة على التّوسّع فحذف حرف الجرّ ، أي فالق عن الإصباح فانتصب على نزع الخافض ، ولذلك سمّوا الصّبح فلقا ـ بفتحتين ـ بزنة ما بمعنى المفعول كما قالوا مسكن ، أي مسكون إليه فتكون الإضافة على هذا لفظية بالتأويل وليست إضافته من إضافة الوصف إلى معموله إذ ليس الإصباح مفعول الفلق والمعنى فالق عن الإصباح فيعلم أنّ المفلوق هو الليل ولذلك فسّروه فالق ظلمة الإصباح ، أي الظلمة التي يعقبها الصبح وهي ظلمة