والنّجوم جمع نجم ، وهو الكوكب ، أي الجسم الكروي المضيء في الأفق ليلا الّذي يبدو للعين صغيرا ، فليس القمر بنجم.
و (جَعَلَ) هنا بمعنى خلق ، فيتعدّى إلى مفعول واحد و (لَكُمُ). متعلّق ب (جَعَلَ) ، والضّمير للبشر كلّهم ، فلام (لَكُمُ) للعلّة.
وقوله : (لِتَهْتَدُوا بِها) علّة ثانية ل (جَعَلَ) فاللّام للعلّة أيضا ، وقد دلّت الأولى على قصد الامتنان ، فلذلك دخلت على ما يدلّ على الضّمير الدالّ على الذّوات ، كقوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] ، واللّام الثّانية دلّت على حكمة الجعل وسبب الامتنان وهو ذلك النّفع العظيم. ولمّا كان الاهتداء من جملة أحوال المخاطبين كان موقع قوله : (لِتَهْتَدُوا) قريبا من موقع بدل الاشتمال بإعادة العامل ، وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى : (تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) في سورة المائدة [١١٤].
والمراد بالظلمات : الظلمة الشّديدة ، فصيغة الجمع مستعملة في القوّة. وقد تقدّم أنّ الشّائع أن يقال : ظلمات ، ولا يقال : ظلمة ، عند قوله تعالى : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) في سورة البقرة [١٧].
وإضافة (ظُلُماتِ) إلى (الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) على معنى (في) لأنّ الظّلمات واقعة في هذين المكانين ، أي لتهتدوا بها في السّير في الظّلمات. ومن ينفي الإضافة على معنى (في) يجعلها إضافة على معنى اللّام لأدنى ملابسة كما في «كوكب الخرقاء» (١). والإضافة لأدنى ملابسة ، إمّا مجاز لغوي مبني على المشابهة ، فهو استعارة على ما هو ظاهر كلام «المفتاح» في مبحث البلاغة والفصاحة إذ جعل في قوله تعالى : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) [هود : ٤٤] إضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز تشبيها لاتّصال الماء بالأرض باتّصال الملك بالمالك ا ه. فاستعمل فيه الإضافة الّتي هي على معنى لام الملك فهو استعارة تبعيّة ؛ وإمّا مجاز عقليّ على رأي التفتازانيّ في موضع آخر إذ قال في «كوكب الخرقاء» «حقيقة الإضافة اللّاميّة الاختصاص الكامل ، فالإضافة لأدنى ملابسة تكون مجازا حكميا». ولعلّ التفتازانيّ يرى الاختلاف في المجاز باختلاف قرب الإضافة لأدنى ملابسة من معنى الاختصاص وبعدها منه كما يظهر الفرق بين المثالين ، على أنّ قولهم : لأدنى ملابسة ،
__________________
(١) في قول الشاعر الذي لم يعرف اسمه :
إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة |
|
سهيل أذاعت غزلها في القرائب |