الواحد لا يكون مشتبها وغير متشابه ، أي بعضه مشتبه وبعضه غير متشابه. وهما حالان من «الزّيتون والرمّان» معا ، وإنّما أفرد ولم يجمع اعتبارا بإفراد اللّفظ. والتّشابه والاشتباه مترادفان كالتساوي والاستواء ، وهما مشتقّان من الشبه. والجمع بينهما في الآية للتّفنّن كراهيّة إعادة اللّفظ ، ولأنّ اسم الفاعل من التّشابه أسعد بالوقف لما فيه من مدّ الصّوت بخلاف مشتبه. وهذا من بديع الفصاحة.
والتّشابه : التماثل في حالة مع الاختلاف في غيرها من الأحوال ، أي بعض شجره يشبه بعضا وبعضه لا يشبه بعضا ، أو بعض ثمره يشبه بعضا وبعضه لا يشبه بعضا ، فالتّشابه ممّا تقارب لونه أو طعمه أو شكله ممّا يتطلّبه النّاس من أحواله على اختلاف أميالهم ، وعدم التّشابه ما اختلف بعضه عن البعض الآخر فيما يتطلّبه النّاس من الصّفات على اختلاف شهواتهم ، فمن أعواد الشّجر غليظ ودقيق ، ومن ألوان ورقه قاتم وداكن ، ومن ألوان ثمره مختلف ومن طعمه كذلك ، وهذا كقوله تعالى : (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) [الرعد : ٤]. والمقصود من التّقييد بهذه الحال التّنبيه على أنّها مخلوقة بالقصد والاختيار لا بالصدفة.
ويجوز أن تجعل هذه الحال من جميع ما تقدّم من قوله : (نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً) ، فإنّ جميع ذلك مشتبه وغير متشابه. وجعله الزمخشري حالا من (الزَّيْتُونَ) لأنّه المعطوف عليه وقدّر ل (الرُّمَّانَ) حالا أخرى تدلّ عليها الأولى ، بتقدير : والرمّان كذلك. وإنّما دعاه إلى ذلك أنّه لا يرى تعدّد صاحب الحال الواحدة ولا التّنازع في الحال ونظره بإفراد الخبر بعد مبتدأ ومعطوف في قول الأزرق بن طرفة الباهلي ، جوابا لبعض بني قشير وقد اختصما في بئر فقال القشيري : أنت لصّ ابن لصّ :
رماني بأمر كنت منه ووالدي |
|
بريئا ومن أجل الطّوي رماني |
ولا ضير في هذا الإعراب من جهة المعنى لأنّ التّنبيه إلى ما في بعض النّبات من دلائل الاختيار يوجّه العقول إلى ما في مماثله من أمثالها.
وجملة : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ) بيان للجمل الّتي قبلها المقصود منها الوصول إلى معرفة صنع الله تعالى وقدرته ، والضّمير المضاف إليه في (ثَمَرِهِ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير (مُشْتَبِهاً) من تخصيص أو تعميم. والمأمور به هو نظر الاستبصار والاعتبار بأطواره.