وجملة : (وَخَرَقُوا) عطف على جملة : (وَجَعَلُوا) والضّمير عائد على المشركين.
وقرأ الجمهور (وَخَرَقُوا) ـ بتخفيف الرّاء ـ ، وقرأه نافع ، وأبو جعفر ـ بتشديد الرّاء ـ.
والخرق : أصله القطع والشقّ. وقال الراغب : هو القطع والشقّ على سبيل الفساد من غير تدبّر ، ومنه قوله تعالى : (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها) [الكهف : ٧١]. وهو ضدّ الخلق ، فإنّه فعل الشّيء بتقدير ورفق ، والخرق بغير تقدير. ولم يقيّده غيره من أئمّة اللّغة. وأيّا ما كان فقد استعمل الخرق مجازا في الكذب كما استعمل فيه افترى واختلق من الفري والخلق. وفي «الكشاف» : سئل الحسن عن قوله تعالى : (وَخَرَقُوا) فقال : كلمة عربيّة كانت العرب تقولها ، كان الرّجل إذا كذب كذبة في نادى القوم يقول بعضهم : «قد خرقها والله». وقراءة نافع تفيد المبالغة في الفعل لأنّ التّفعل يدلّ على قوّة حصول الفعل. فمعنى (خَرَقُوا) كذبوا على الله على سبيل الخرق ، أي نسبوا إليه بنين وبنات كذبا ، فأمّا نسبتهم البنين إلى الله فقد حكاها عنهم القرآن هنا. والمراد أنّ المشركين نسبوا إليه بنين وبنات. وليس المراد اليهود في قولهم : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠] ، ولا النّصارى في قولهم : (الْمَسِيحُ)(١)(ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠]. كما فسّر به جميع المفسّرين ، لأنّ ذلك لا يناسب السّياق ويشوّش عود الضّمائر ويخرم نظم الكلام. فالوجه أنّ المراد أنّ بعض المشركين نسبوا لله البنين وهو الّذين تلقّنوا شيئا من المجوسيّة لأنّهم لمّا جعلوا الشّيطان متولّدا عن الله تعالى إذ قالوا إنّ الله لمّا خلق العالم تفكّر في مملكته واستعظمها فحصل له عجب تولّد عنه الشّيطان ، وربّما قالوا أيضا : إنّ الله شكّ في قدرة نفسه فتولّد من شكّه الشّيطان ، فقد لزمهم أنّ الشّيطان متولّد عن الله تعالى عمّا يقولون ، فلزمهم نسبة الابن إلى الله تعالى.
ولعلّ بعضهم كان يقول بأنّ الجنّ أبناء الله والملائكة بنات الله ، أو أنّ في الملائكة ذكورا وإناثا ، ولقد ينجرّ لهم هذا الاعتقاد من اليهود فإنّهم جعلوا الملائكة أبناء الله. فقد جاء في أوّل الإصحاح السّادس من سفر التّكوين «وحدث لمّا ابتدأ النّاس يكثرون على الأرض وولد لهم بنات أنّ أبناء الله رأوا بنات النّاس أنّهن حسنات فاتّخذوا لأنفسهم نساء من كلّ ما اختاروا وإذ دخل بنو الله على بنات النّاس وولدن لهم أولادا هؤلاء هم الجبابرة الّذين منذ الدّهر ذوو اسم». وأمّا نسبتهم البنات إلى الله فهي مشهورة في العرب إذ جعلوا الملائكة إناثا ، وقالوا : هنّ بنات الله.
__________________
(١) في المطبوعة : (عيسى ابن الله) وهو خطأ ، والمثبت هو الموافق لرسم المصحف.