كلّ شيء والعليم بكلّ شيء هو الله ، أهو الّذي تعلمونه. وقوله : (رَبُّكُمْ) صفة لاسم الجلالة. وجملة : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) حال من (رَبُّكُمْ) أو صفة. وقوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) صفة ل (رَبُّكُمْ) أو لاسم الجلالة ، وإنّما لم نجعله خبرا لأنّ الإخبار قد تقدّم بنظائره في قوله : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ).
وجملة : (فَاعْبُدُوهُ) مفرّعة على قوله : (رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وقد جعل الأمر بعبادته مفرّعا على وصفه بالرّبوبيّة والوحدانيّة لأنّ الربوبيّة مقتضية استحقاق العبادة ، والانفراد بالربوبيّة يقتضي تخصيصه بالعبادة ، وقد فهم هذا التّخصيص من التّفريع.
ووجه أمرهم بعبادته أنّ المشركين كانوا معرضين عن عبادة الله تعالى بحيث لا يتوجّهون بأعمال البرّ في اعتقادهم إلّا إلى الأصنام فهم يزورونها ويقرّبون إليها القرابين وينذرون لها النّذور ويستعينون بها ويستنجدون بنصرتها ، وما كانوا يذكرون الله إلّا في موسم الحجّ ، على أنّهم قد خلطوه بالتّقرّب إلى الأصنام إذ جعلوا فوق الكعبة (هبل) ، وجعلوا فوق الصّفا والمروة (إسافا ونائلة). وكان كثير منهم يهلّ (لمناة) في منتهى الحجّ ، فكانوا معرضين عن عبادة الله تعالى ، فلذلك أمروا بها صريحا ، وأمروا بالاقتصار عليها بطريق الإيماء بالتّفريع.
وجملة : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) يجوز أن تكون معطوفة على الصّفات المتقدّمة فتكون جملة (فَاعْبُدُوهُ) معترضة ، ويجوز أن تكون معطوفة على جملة (فَاعْبُدُوهُ) بناء على جواز عطف الخبر على الإنشاء والعكس (وهو الحقّ) ، على وجه تكميل التّعليل للأمر بعبادته دون غيره ، بأنّه متكفّل بالأشياء كلّها من الخلق والرّزق والإنعام وكلّ ما يطلب المرء حفظه له ، فالوجه عبادته ولا وجه لعبادة غيره ، فإنّ اسم الوكيل جامع لمعنى الحفظ والرّقابة ، كما تقدّم عند قوله تعالى : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) في سورة آل عمران [١٧٣].
(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣))
جملة ابتدائيّة لإفادة عظمته تعالى وسعة علمه ، فلعظمته جلّ عن أن يحيط به شيء من أبصار المخلوقين ، وذلك تعريض بانتفاء الإلهيّة عن الأصنام الّتي هي أجسام محدودة محصورة متحيّزة ، فكونها مدركة بالأبصار من سمات المحدثات لا يليق بالإلهيّة ولو كانت آلهة لكانت محتجبة عن الأبصار ، وكذلك الكواكب الّتي عبدها بعض العرب ، وأمّا الجنّ