لرسالته فمن آمن فلنفسه ومن كفر فعليها.
والحفيظ : القيّم الرّقيب ، أي لم نجعلك رقيبا على تحصيل إيمانهم فلا يهمّنك إعراضهم عنك وعدم تحصيل ما دعوتهم إليه إذ لا تبعة عليك في ذلك ، فالخبر مسوق مساق التّذكير والتسلية ، لا مساق الإفادة لأنّ الرّسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ يعلم أنّ الله ما جعله حفيظا على تحصيل إسلامهم إذ لا يجهل الرّسول ما كلّف به.
وكذلك قوله : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) تهوين على نفس الرّسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بطريقة التّذكير لينتفي عنه الغمّ الحاصل له من عدم إيمانهم. فإن أريد ما أنت بوكيل منّا عليهم كان تتميما لقوله : (وَما جَعَلْناكَ)(١)(عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) ؛ وإن أريد ما أنت بوكيل منهم على تحصيل نفعهم كان استيعابا لنفي أسباب التّبعة عنه في عدم إيمانهم ، يقول : ما أنت بوكيل عليهم وكّلوك لتحصيل منافعهم كإيفاء الوكيل بما وكّله عليه موكّله ، أي فلا تبعة عليك منهم ولا تقصير لانتفاء سببي التّقصير إذ ليس مقامك مقام حفيظ ولا وكيل. فالخبر أيضا مستعمل في التّذكير بلازمه لا في حقيقته من إفادة المخبر به ، وعلى كلا المعنيين لا بدّ من تقدير مضاف في قوله : (عَلَيْهِمْ) ، أي على نفعهم.
والجمع بين الحفيظ والوكيل هنا في خبرين يؤيّد ما قلناه آنفا في قوله تعالى : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) [الأنعام : ١٠٤]. من الفرق بين الوكيل والحفيظ فاذكره.
(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨))
عطف على قوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٠٦] يزيد معنى الإعراض المأمور به بيانا ، ويحقّق ما قلناه أن ليس المقصود من الإعراض ترك الدّعوة بل المقصود الإغضاء عن سبابهم وبذيء أقوالهم مع الدّوام على متابعة الدّعوة بالقرآن ، فإنّ النّهي عن سبّ أصنامهم يؤذن بالاسترسال على دعوتهم وإبطال معتقداتهم مع تجنّب المسلمين سبّ ما يدعونهم من دون الله.
والسبّ : كلام يدلّ على تحقير أحد أو نسبته إلى نقيصة أو معرّة ، بالباطل أو بالحقّ ، وهو مرادف الشّتم. وليس من السبّ النسبة إلى خطإ في الرّأي أو العمل ، ولا
__________________
(١) في المطبوعة : (أرسلناك).