تأتيهم بها لأنّها إذا جاءت لا يؤمنون ، أي على أن يكون (عِنْدَ) كناية عن منعهم من الإجابة لما طلبوه.
وعلى قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو ، ويعقوب ، وخلف ، وأبي بكر ، في إحدى روايتين عنه (أَنَّها) ـ بكسر الهمزة ـ يكون استئنافا. وحذف متعلّق (يُشْعِرُكُمْ) لظهوره من قوله (لَيُؤْمِنُنَّ بِها). والتّقدير : وما يشعركم بإيمانهم إنّهم لا يؤمنون إذا جاءت آية.
وعلى قراءة ابن عامر ، وحمزة ، وخلف ـ بتاء المخاطب ـ. فتوجيه قراءة خلف الّذي قرأ إنها ـ بكسر الهمزة ـ ، أن تكون جملة (أَنَّها إِذا جاءَتْ) إلخ خطابا موجّها إلى المشركين. وأمّا على قراءة ابن عامر وحمزة اللّذين قرءا (أَنَّها) ـ بفتح الهمزة ـ فإن يجعل ضمير الخطاب في قوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ) موجّها إلى المشركين على طريقة الالتفات على اعتبار الوقف على (يُشْعِرُكُمْ).
(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠))
يجوز أن يكون عطفا على جملة (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩] فتكون بيانا لقوله (لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩] ، أي بأن نعطّل أبصارهم عن تلك الآية وعقولهم عن الاهتداء بها فلا يبصرون ما تحتوي عليه الآية من الدّلائل ولا تفقه قلوبهم وجه الدّلالة فيتعطّل تصديقهم بها ، وذلك بأن يحرمهم الله من إصلاح إدراكهم ، وذلك أنّهم قد خلقت عقولهم نابية عن العلم الصّحيح بما هيّأ لها ذلك من انسلالها من أصول المشركين ، ومن نشأتها بين أهل الضّلال وتلقّي ضلالتهم ، كما بيّنته آنفا. فعبّر عن ذلك الحال المخالف للفطرة السّليمة بأنّه تقليب لعقولهم وأبصارهم ، ولأنّها كانت مقلوبة عن المعروف عند أهل العقول السّليمة ، وليس داعي الشّرك فيها تقليبا عن حالة كانت صالحة لأنّها لم تكن كذلك حينا ، ولكنّه تقليب لأنّها جاءت على خلاف ما الشّأن أن تجيء عليه.
وضمير (بِهِ) عائد إلى القرآن المفهوم من قوله : (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ) [الأنعام : ١٠٩] فإنّهم عنوا آية غير القرآن.
والكاف في قوله : (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) لتشبيه حالة انتفاء إيمانهم بعد أن تجيئهم آية ممّا اقترحوا. والمعنى ونقلّب أيديهم وأبصارهم فلا يؤمنون بالآية الّتي تجيئهم مثلما لم يؤمنوا بالقرآن من قبل ، فتقليب أفئدتهم وأبصارهم على هذا المعنى يحصل في