و (ثُمَ) للتراخي الرتبي ، كما هو شأنها في عطف الجمل ، فإنّ النظر في عاقبة المكذّبين هو المقصد من السير ، فهو ممّا يرتقى إليه بعد الأمر بالسير ، ولأنّ هذا النظر محتاج إلى تأمّل وترسّم فهو أهمّ من السير.
والنظر يحتمل أن يكون بصريا وأن يكون قلبيا ، وعلى الاحتمالين فقد علّقه الاستفهام عن نصب مفعوله أو مفعوليه. و (كَيْفَ) خبر ل (كانَ) مقدّم عليها وجوبا.
والعاقبة آخر الشيء ومآله وما يعقبه من مسبّباته. ويقال : عاقبة وعقبى ، وهي اسم كالعافية والخاتمة.
وإنّما وصفوا ب (الْمُكَذِّبِينَ) دون المستهزئين للدلالة على أنّ التكذيب والاستهزاء كانا خلقين من أخلاقهم ، وأنّ الواحد من هذين الخلقين كاف في استحقاق تلك العاقبة ، إذ قال في الآية السابقة (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [الأنعام : ١٠] وقال في هذه الآية (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ).
وهذا ردّ جامع لدحض ضلالاتهم الجارية على سنن ضلالات نظرائهم من الأمم السالفة المكذّبين.
(قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢))
جملة (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تكرير في مقام الاستدلال ، فإنّ هذا الاستدلال تضمّن استفهاما تقريريا ، والتقرير من مقتضيان التكرير ، لذلك لم تعطف الجملة. ويجوز أن يجعل تصدير هذا الكلام بالأمر بأن يقوله مقصودا به الاهتمام بما بعد فعل الأمر بالقول على الوجه الذي سنبيّنه عند قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) في هذه السورة [٤٠]. والاستفهام مستعمل مجازا في التقرير. والتقرير هنا مراد به لازم معناه ، وهو تبكيت المشركين وإلجاؤهم إلى الإقرار بما يفضي إلى إبطال معتقدهم الشرك ، فهو مستعمل في معناه الكنائي مع معناه الصريح ، والمقصود هو المعنى الكنائي.
ولكونه مرادا به الإلجاء إلى الإقرار كان الجواب عنه بما يريده السائل من إقرار المسئول محقّقا لا محيص عنه ، إذ لا سبيل إلى الجحد فيه أو المغالطة ، فلذلك لم ينتظر