استعمالاته أن يليها جزء الجملة المستفهم عنه كالمنكر هنا ، فالتقديم للاهتمام به ، وهو من جزئيات العناية التي قال فيها عبد القاهر أن لا بدّ من بيان وجه العناية ، وليس مفيدا للتخصيص في مثل هذا لظهور أنّ داعي التقديم هو تعيين المراد بالاستفهام فلا يتعيّن أن يكون لغرض غير ذلك. فمن جعل التقديم هنا مفيدا للاختصاص ، أي انحصار إنكار اتّخاذ الولي في غير الله كما مال إليه بعض شرّاح «الكشاف» فقد تكلّف ما يشهد الاستعمال والذوق بخلافه ، وكلام «الكشاف» بريء منه بل الحقّ أنّ التقديم هنا ليس إلّا للاهتمام بشأن المقدّم ـ ليلي أداة الاستفهام فيعلم أن محلّ الإنكار هو اتّخاذ غير الله وليّا ، وأما ما زاد على ذلك فلا التفات إليه من المتكلم. ولعلّ الذي حداهم إلى ذلك أنّ المفعول في هذه الآية ونظائرها مثل (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) [الزمر : ٦٤] (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) [الأنعام : ٤٠] هو كلمة (غَيْرَ) المضافة إلى اسم الجلالة ، وهي عامّة في كلّ ما عدا الله ، فكان الله ملحوظا من لفظ المفعول فكان إنكار اتّخاذ الله وليّا لأنّ إنكار اتّخاذ غيره وليّا مستلزما عدم إنكار اتّخاذ الله وليّا ، لأنّ إنكار اتّخاذ غير الله لا يبقى معه إلّا اتّخاذ الله وليّا ؛ فكان هذا التركيب مستلزما معنى القصر وائلا إليه وليس هو بدالّ على القصر مطابقة ، ولا مفيدا لما يفيده القصر الإضافي من قلب اعتقاد أو إفراد أو تعيين ، ألا ترى أنّه لو كان المفعول خلاف كلمة (غير) لما صحّ اعتبار القصر ، كما لو قلت : أزيدا أتتّخذ صديقا ، لم يكن مفيدا إلّا إنكار اتّخاذ زيد صديقا من غير التفات إلى اتّخاذ غيره ، وإنّما ذلك لأنّك تراه ليس أهلا للصداقة فلا فرق بينه وبين قولك : أتتّخذ زيدا صديقا ، إلّا أنّك أردت توجّه الإنكار للمتّخذ لا للاتّخاذ اهتماما به. والفرق بينهما دقيق فأجد فيه نظرك.
ثم إن كان المشركون قد سألوا من النبي صلىاللهعليهوسلم أن يتّخذ أصنامهم أولياء كان لتقديم المفعول نكتة اهتمام ثانية وهي كونه جوابا لكلام هو المقصود منه كما في قوله : (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) [الزمر : ٦٤] وقوله : (قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ـ إلى قوله ـ قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً) [الأعراف : ١٢]. وأشار صاحب «الكشاف» في قوله : (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) الآتي في آخر السورة إلى أنّ تقديم (غَيْرَ اللهِ) على (أَبْغِي) لكونه جوابا عن ندائهم له إلى عبادة آلهتهم. قال الطيبي : لأنّ كل تقديم إمّا للاهتمام أو لجواب إنكار.
والوليّ : الناصر المدبّر ، ففيه معنى العلم والقدرة. يقال : تولّى فلانا ، أي اتّخذه ناصرا. وسمّي الحليف وليّا لأنّ المقصود من الحلف النصرة. ولمّا كان الإله هو الذي