يرجع إليه عابده سمّي وليّا لذلك. ومن أسمائه تعالى الولي.
والفاطر : المبدع والخالق. وأصله من الفطر وهو الشقّ. وعن ابن عباس : ما عرفت معنى الفاطر حتى اختصم إليّ أعرابيات في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها. وإجراء هذا الوصف على اسم الجلالة دون وصف آخر استدلال على عدم جدارة غيره لأن يتّخذ وليّا ، فهو ناظر إلى قوله : في أول السورة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام : ١]. وليس يغني عنه قوله قبله (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ) [الأنعام : ١٢] لأنّ ذلك استدلال عليهم بالعبودية لله وهذا استدلال بالافتقار إلى الله في أسباب بقائهم إلى أجل.
وقوله : (وَهُوَ يُطْعِمُ) جملة في موضع الحال ، أي يعطي الناس ما يأكلونه ممّا أخرج لهم من الأرض : من حبوب وثمار وكلإ وصيد. وهذا استدلال على المشركين بما هو مسلّم عندهم ، لأنّهم يعترفون بأنّ الرازق هو الله وهو خالق المخلوقات وإنّما جعلوا الآلهة الأخرى شركاء في استحقاق العبادة. وقد كثر الاحتجاج على المشركين في القرآن بمثل هذا كقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [الواقعة : ٦٣ ، ٦٤].
وأمّا قوله : (وَلا يُطْعَمُ) ـ بضم الياء وفتح العين ـ فتكميل دالّ على الغنى المطلق كقوله تعالى : (وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) [الذاريات : ٥٧]. ولا أثر له في الاستدلال إذ ليس في آلهة العرب ما كانوا يطعمونه الطعام. ويجوز أن يراد التعريض بهم فيما يقدّمونه إلى أصنامهم من القرابين وما يهرقون عليها من الدماء ، إذ لا يخلو فعلهم من اعتقاد أنّ الأصنام تنعم بذلك.
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
استئناف مكرّر لأسلوب الاستئناف الذي قبله. ومثار الاستئنافين واحد ولكن الغرض منهما مختلف ، لأنّ ما قبله يحوم حول الاستدلال بدلالة العقل على إبطال الشرك ، وهذا استدلال بدلالة الوحي الذي فيه الأمر باتّباع دين الإسلام وما بني عليه اسم الإسلام من صرف الوجه إلى الله ، كما قال في الآية الأخرى (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) [آل عمران : ٢٠] ، فهذا إبطال لطعنهم في الدين الذي جاء به المسمّى بالإسلام ، وشعاره كلمة التوحيد المبطلة للإشراك.