وقد يؤخذ من هذه الآية استدلال للمأثور عن الأشعري : أنّ الإيمان بالله وحده ليس ممّا يجب بدليل العقل بل تتوقّف المؤاخذة به على بعثة الرسول ، لأنّ الله أمر نبيّه صلىاللهعليهوسلم أن ينكر أن يتّخذ غير الله وليّا لأنّه فاطر السماوات والأرض ، ثم أمره أن يقول (إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) ثم أمره بما يدلّ على المؤاخذة بقوله : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي ـ إلى قوله ـ فَقَدْ رَحِمَهُ) [الأنعام : ١٥ ، ١٦].
(قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦))
هذا استئناف مكرّر لما قبله ، وهو تدرّج في الغرض المشترك بينها من أنّ الشرك بالله متوعّد صاحبه بالعذاب وموعود تاركه بالرحمة. فقوله : (أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) [الأنعام : ١٤] الآية رفض للشرك بالدليل العقلي ، وقوله : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) [الأنعام : ١٤] الآية ، رفض للشرك امتثالا لأمر الله وجلاله.
وقوله هنا : (قُلْ إِنِّي أَخافُ) الآية تجنّب للشرك خوفا من العقاب وطمعا في الرحمة. وقد جاءت مترتّبة على ترتيبها في نفس الأمر.
وفهم من قوله : (إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) أنّ الآمر له بأن يكون أول من أسلم والناهي عن كونه من المشركين هو الله تعالى. وفي العدول عن اسم الجلالة إلى قوله : (رَبِّي) إيماء إلى أنّ عصيانه أمر قبيح لأنّه ربّه فكيف يعصيه.
وأضيف العذاب إلى (يَوْمٍ عَظِيمٍ) تهويلا له لأنّ في معتاد العرب أن يطلق اليوم على يوم نصر فريق وانهزام فريق من المحاربين ، فيكون اليوم نكالا على المنهزمين ، إذ يكثر فيهم القتل والأسر ويسام المغلوب سوء العذاب ، فذكر (يَوْمٍ) يثير من الخيال مخاوف مألوفة ، ولذلك قال الله تعالى : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الشعراء : ١٨٩] ولم يقل عذاب الظلّة أنّه كان عذابا عظيما. وسيأتي بيان ذلك مفصّلا عند قوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) في سورة التغابن [٩] ، وبهذا الاعتبار حسن جعل إضافة العذاب إلى اليوم العظيم كناية عن عظم ذلك العذاب ، لأنّ عظمة اليوم العظيم تستلزم عظم ما يقع فيه عرفا.
وقوله : (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ) جملة من شرط وجزاء وقعت موقع الصفة ل (عَذابَ).