و (يُصْرَفْ) مبني للمجهول في قراءة الأكثر ، على أنّه رافع لضمير العذاب أو لضمير (مَنْ) على النيابة عن الفاعل. والضمير المجرور ب «عن» عائد إلى (مَنْ) أي يصرف العذاب عنه ، أو عائد إلى العذاب ، أي من يصرف هو عن العذاب ، وعلى عكس هذا العود يكون عود الضمير المستتر في قوله : (يُصْرَفْ).
وقرأه حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، ويعقوب ، وخلف (يُصْرَفْ) ـ بالبناء للفاعل ـ على أنّه رافع لضمير (رَبِّي) على الفاعلية.
أمّا الضمير المستتر في (رَحِمَهُ) فهو عائد إلى (رَبِّي) ، والمنصوب عائد إلى (مَنْ) على كلتا القراءتين.
ومعنى وصف العذاب بمضمون جملة الشرط والجزاء ، أي من وفّقه الله لتجنّب أسباب ذلك العذاب فهو قد قدّر الله له الرحمة ويسّر له أسبابها.
والمقصود من هذا الكلام إثبات مقابل قوله : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) كأنّه قال : أرجو إن أطعته أن يرحمني ربّي ، لأنّ من صرف عنه العذاب ثبتت له الرحمة. فجاء في إفادة هذا المعنى بطريقة المذهب الكلامي. وهو ذكر الدليل ليعلم المدلول. وهذا ضرب من الكناية وأسلوب بديع بحيث يدخل المحكوم له في الحكم بعنوان كونه فردا من أفراد العموم الذين ثبت لهم الحكم.
ولذلك عقّبه بقوله : (وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ). والإشارة موجّهة إلى الصرف المأخوذ من قوله : (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ) أو إلى المذكور. وإنّما كان الصرف عن العذاب فوزا لأنّه إذا صرف عن العذاب في ذلك اليوم فقد دخل في النعيم في ذلك اليوم. قال تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) [آل عمران : ١٨٥]. و (الْمُبِينُ) اسم فاعل من أبان بمعنى بان.
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧))
عطف على الجمل المفتتحة بفعل (قُلْ) [الأنعام : ١٥] فالخطاب للنبيصلىاللهعليهوسلم.
وهذا مؤذن بأنّ المشركين خوّفوا النبي صلىاللهعليهوسلم أو عرّضوا له بعزمهم على إصابته بشرّ وأذى فخاطبه الله بما يثبّت نفسه وما يؤيس أعداءه من أن يستزلّوه. وهذا كما حكي عن