وقابل قوله : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) بقوله : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ) مقابلة بالأعمّ ، لأنّ الخير يشمل النفع وهو الملائم ويشمل السلامة من المنافر ، للإشارة إلى أنّ المراد من الضرّ ما هو أعمّ ، فكأنّه قيل : إن يمسسك بضرّ وشرّ وإن يمسسك بنفع وخير ، ففي الآية احتباك. وقال ابن عطية : ناب الضرّ في هذه الآية مناب الشرّ والشرّ أعمّ وهو مقابل الخير. وهو من الفصاحة عدول عن قانون التكلّف والصنعة ، فإنّ من باب التكلّف أن يكون الشيء مقترنا بالذي يختصّ به ونظّر هذا بقوله تعالى : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) [طه : ١١٨ ، ١١٩]. ا ه.
وقوله : (فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) جعل جوابا للشرط لأنّه علّة الجواب المحذوف والجواب المذكور قبله ، إذ التقدير : وإن يمسسك بخير فلا مانع له لأنّه على كلّ شيء قدير في الضرّ والنفع. وقد جعل هذا العموم تمهيدا لقوله بعده (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [الأنعام : ١٨].
(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨))
هذه الجملة معطوفة على جملة (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) [الأنعام : ١٧] الآية ، والمناسبة بينهما أنّ مضمون كلتيهما يبطل استحقاق الأصنام العبادة. فالآية الأولى أبطلت ذلك بنفي أن يكون للأصنام تصرّف في أحوال المخلوقات ، وهذه الآية أبطلت أن يكون غير الله قاهرا على أحد أو خبيرا أو عالما بإعطاء كل مخلوق ما يناسبه ، ولا جرم أنّ الإله تجب له القدرة والعلم ، وهما جماع صفات الكمال ، كما تجب له صفات الأفعال من نفع وضرّ وإحياء وإماتة ، وهي تعلّقات للقدرة أطلق عليها اسم الصفات عند غير الأشعري نظرا للعرف ، وأدخلها الأشعري في صفة القدرة لأنّها تعلّقات لها ، وهو التحقيق.
ولذلك تتنزّل هذه الآية من التي قبلها منزلة التعميم بعد التخصيص لأنّ التي قبلها ذكرت كما تصرّفه في المخلوقات وجاءت به في قالب تثبيت الرسول صلىاللهعليهوسلم كما قدّمنا ، وهذه الآية أوعت قدرته على كلّ شيء وعلمه بكلّ شيء ، وذلك أصل جميع الفعل والصنع.
والقاهر الغالب المكره الذي لا ينفلت من قدرته من عدّي إليه فعل القهر.
وقد أفاد تعريف الجزأين القصر ، أي لا قاهر إلّا هو ، لأنّ قهر الله تعالى هو القهر الحقيقي الذي لا يجد المقهور منه ملاذا ، لأنّه قهر بأسباب لا يستطيع أحد خلق ما