وحذف فاعل الوحي وبني فعله للمجهول للعلم بالفاعل الذي أوحاه إليه وهو الله تعالى.
والإشارة ب (هذَا الْقُرْآنُ) إلى ما هو في ذهن المتكلّم والسامع. وعطف البيان بعد اسم الإشارة بيّن المقصود بالإشارة.
واقتصر على جعل علّة نزول القرآن للنذارة دون ذكر البشارة لأنّ المخاطبين في حال مكابرتهم التي هي مقام الكلام لا يناسبهم إلّا الإنذار ، فغاية القرآن بالنسبة إلى حالهم هي الإنذار ، ولذلك قال (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) مصرّحا بضمير المخاطبين. ولم يقل : لأنذر به ، وهم المقصود ابتداء من هذا الخطاب وإن كان المعطوف على ضميرهم ينذر ويبشّر. على أنّ لام العلّة لا تؤذن بانحصار العلّة في مدخولها إذ قد تكون للفعل المعدّى بها علل كثيرة.
(وَمَنْ بَلَغَ) عطف على ضمير المخاطبين ، أي ولأنذر به من بلغه القرآن وسمعه ولو لم أشافهه بالدعوة ، فحذف ضمير النصب الرابط للصلة لأنّ حذفه كثير حسن ، كما قال أبو علي الفارسي. وعموم (مَنْ) وصلتها يشمل كلّ من يبلغه القرآن في جميع العصور.
(أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ).
جملة مستأنفة من جملة القول المأمور بأن يقوله لهم. فهي استئناف بعد جملة (أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً). خصّ هذا بالذكر لأنّ نفي الشريك لله في الإلهية هو أصل الدعوة الإسلامية فبعد أن قرّرهم أنّ شهادة الله أكبر شهادة وأشهد الله على نفسه فيما بلّغ ، وعليهم فيما أعرضوا وكابروا ؛ استأنف استفهاما على طريقة الإنكار استقصاء في الإعذار لهم فقال : أتشهدون أنتم على ما أصررتم عليه أنّ مع الله آلهة أخرى كما شهدت أنا على ما دعوتكم إليه ، والمقرّر عليه هنا أمر ينكرونه بدلالة المقام.
وإنّما جعل الاستفهام المستعمل في الإنكار عن الخبر الموكّد ب (إنّ) ولام الابتداء ليفيد أنّ شهادتهم هذه ممّا لا يكاد يصدّق السامعون أنّهم يشهدونها لاستبعاد صدورها من عقلاء ، فيحتاج المخبر عنهم بها إلى تأكيد خبره بمؤكّدين فيقول : إنّهم ليشهدون أنّ مع الله آلهة أخرى ، فهنالك يحتاج مخاطبهم بالإنكار إلى إدخال أداة الاستفهام الإنكاري على الجملة التي من شأنها أن يحكى بها خبرهم ، فيفيد مثل هذا التركيب إنكارين : أحدهما صريح بأداة الإنكار ، والآخر كنائي بلازم تأكيد الإخبار لغرابة هذا الزعم بحيث يشكّ السامع في صدوره منهم.