ومعنى (لَتَشْهَدُونَ) لتدّعونا دعوى تحقّقونها تحقيقا يشبه الشهادة على أمر محقّق الوقوع ، فإطلاق (لَتَشْهَدُونَ) مشاكلة لقوله (قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).
والآلهة جمع إله ، وأجري عليه الوصف بالتأنيث تنبيها على أنّها لا تعقل فإنّ جمع غير العاقل يكون وصفه كوصف الواحدة المؤنّثة.
وقوله : (قُلْ لا أَشْهَدُ) جواب للاستفهام الذي في قوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ) لأنّه بتقدير : قل أإنّكم ، ووقعت المبادرة بالجواب بتبرّي المتكلّم من أن يشهد بذلك لأنّ جواب المخاطبين عن هذا السؤال معلوم من حالهم أنّهم مقرّون به فأعرض عنهم بعد سؤالهم كأنّه يقول : دعنا من شهادتكم وخذوا شهادتي فإنّي لا أشهد بذلك. ونظير هذا قوله تعالى: (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) [الأنعام : ١٥].
وجملة : (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) بيان لجملة (لا أَشْهَدُ) فلذلك فصلت لأنّها بمنزلة عطف البيان ، لأنّ معنى لا أشهد بأنّ معه آلهة هو معنى أنّه إله واحد ، وأعيد فعل القول لتأكيد التبليغ.
وكلمة (إِنَّما) أفادت الحصر ، أي هو المخصوص بالوحدانية : ثم بالغ في إثبات ذلك بالتبري من ضدّه بقوله : (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ). وفيه قطع للمجادلة معهم على طريقة المتاركة.
و (ما) في قوله : (مِمَّا تُشْرِكُونَ) يجوز كونها مصدرية ، أي من إشراككم. ويجوز كونها موصولة ، وهو الأظهر ، أي من أصنامكم التي تشركون بها ، وفيه حذف العائد المجرور لأنّ حرف الجرّ المحذوف مع العائد متعيّن تقديره بلا لبس ، وذلك هو ضابط جواز حذف العائد المجرور ، كقوله تعالى : (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) [الفرقان : ٦٠] أي بتعظيمه ، وقوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أي بالجهر به. وظاهر كلام «التسهيل» أنّ هذا ممنوع ، وهو غفلة من مؤلّفه اغترّ بها بعض شرّاح كتبه.
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠))
جملة مستأنفة انتقل بها أسلوب الكلام من مخاطبة الله المشركين على لسان الرسولصلىاللهعليهوسلم إلى إخبار عامّ كسائر أخبار القرآن. أظهر الله دليلا على صدق الرسول فيما