كُنَّا مُشْرِكِينَ). فقد كتموا في هذه الآية. فقال ابن عباس : إنّ الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم ، فيقول المشركون تعالوا نقل : ما كنّا مشركين ، فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم ، فعند ذلك عرفوا أنّ الله لا يكتم حديثا.
وقوله : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) جعل حالهم المتحدّث عنه بمنزلة المشاهد ، لصدور عمّن لا خلاف في أخباره ، فلذلك أمر سامعه أو أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بما يدلّ على النظر إليه كأنّه مشاهد حاضر.
والأظهر أنّ (كَيْفَ) لمجرّد الحال غير دالّ على الاستفهام. والنظر إلى الحالة هو النظر إلى أصحابها حين تكيّفهم بها. وقد تقدّمت له نظائر منها قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) في سورة النساء [٥٠]. وجعل كثير من المفسّرين النظر هنا نظرا قلبيا فإنّه يجيء كما يجيء فعل الرؤية فيكون معلّقا عن العمل بالاستفهام ، أي تأمّل جواب قول القائل : «(كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ») تجده جوابا واضحا بيّنا.
ولأجل هذا التحقّق من خبر حشرهم عبّر عن كذبهم الذي يحصل يوم الحشر بصيغة الماضي في قوله : (كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ). وكذلك قوله (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).
وفعل (كذب) يعدّى بحرف (على) إلى من يخبّر عنه الكاذب كذبا مثل تعديته في هذه الآية ، وقول النبي صلىاللهعليهوسلم من كذب عليّ معتمدا فليتبوّأ مقعده من النار ، وأمّا تعديته إلى من يخبره الكاذب خبرا كذبا فبنفسه ، يقال : كذبك ، إذا أخبرك بكذب.
وضلّ بمعنى غاب كقوله تعالى : (ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) [السجدة : ١٠] ، أي غيّبنا فيها بالدفن. و (ما) موصولة و (يَفْتَرُونَ) صلتها ، والعائد محذوف ، أي يختلقونه وما صدق ذلك هو شركاؤهم. والمراد : غيبة شفاعتهم ونصرهم لأنّ ذلك هو المأمول منهم فلمّا لم يظهر شيء من ذلك نزّل حضورهم منزلة الغيبة ، كما يقال : أخذت وغاب نصيرك ، وهو حاضر.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥))
عطف جملة ابتدائية على الجمل الابتدائية التي قبلها من قوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا