كلّها ـ بضم الهمزة ـ وإسطارة وإسطار ـ بكسر الهمزة ـ. والاختلاف في حركات الكلمة الواحدة من جملة أمارات التعريب. ومن أقوالهم : «أعجميّ فالعب به ما شئت». وأحسن الألفاظ لها أسطورة لأنّها تصادف صيغة تفيد معنى المفعول ، أي القصّة المسطورة. وتفيد الشهرة في مدلول مادّتها مثل الأعجوبة والأحدوثة والأكرومة. وقيل : الأساطير اسم جمع لا واحد له مثل أبابيل وعباديد وشماطيط. وكان العرب يطلقونه على ما يتسامر الناس به من القصص والأخبار على اختلاف أحوالها من صدق وكذب. وقد كانوا لا يميّزون بين التواريخ والقصص والخرافات فجميع ذلك مرمي بالكذب والمبالغة. فقولهم : (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ). يحتمل أنّهم أرادوا نسبة أخبار القرآن إلى الكذب على ما تعارفوه من اعتقادهم في الأساطير. ويشتمل أنّهم أرادوا أنّ القرآن لا يخرج عن كونه مجموع قصص وأساطير ، يعنون أنّه لا يستحقّ أن يكون من عند الله لأنّهم لقصور أفهامهم أو لتجاهلهم يعرضون عن الاعتبار المقصود من تلك القصص ويأخذونها بمنزلة الخرافات التي يتسامر الناس بها لتقصير الوقت. وسيأتي في سورة الأنفال أنّ من قال ذلك النضر لا الحارث ، وأنّه كان يمثّل القرآن بأخبار (رستم) و (إسفنديار).
(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦))
عطف على جملة (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) ، والضميران المجروران عائدان إلى القرآن المشار إليه باسم الإشارة في قولهم : (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأنعام : ٢٥]. ومعنى النهي عنه النهي عن استماعه. فهو من تعليق الحكم بالذات. والمراد حالة من أحوالها يعيّنها المقام. وكذلك الناي عنه معناه النأي عن استماعه ، أي هم ينهون الناس عن استماعه ويتباعدون عن استماعه. قال النابغة :
لقد نهيت بني ذبيان عن أقر |
|
وعن تربّعهم في كلّ أصفار |
يعني نهيتهم عن الرعي في ذي أقر ، وهو حمى الملك النعمان بن الحارث الغسّاني. وبين قوله : (يَنْهَوْنَ) ـ و (يَنْأَوْنَ) الجناس القريب من التمام.
والقصر في قوله : (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) قصر إضافي يفيد قلب اعتقادهم لأنّهم يظنّون بالنهي والنأي عن القرآن أنّهم يضرّون النبي صلىاللهعليهوسلم لئلّا يتّبعوه ولا يتّبعه الناس ، وهم إنّما يهلكون أنفسهم بدوامهم على الضلال وبتضليل الناس ، فيحملون أوزارهم وأوزار الناس ، وفي هذه الجملة تسلية للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأنّ ما أرادوا به نكايته