إنّما يضرّون به أنفسهم.
وأصل الهلاك الموت. ويطلق على المضرّة الشديدة لأنّ الشائع بين الناس أنّ الموت أشدّ الضرّ. فالمراد بالهلاك هنا ما يلقونه في الدنيا من القتل والمذلّة عند نصر الإسلام وفي الآخرة من العذاب.
والنأي : البعد. وهو قاصر لا يتعدّى إلى مفعول إلّا بحرف جرّ ، وما ورد متعدّيا بنفسه فذلك على طريق الحذف والإيصال في الضرورة.
وعقّب قوله : (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) بقوله : (وَما يَشْعُرُونَ) زيادة في تحقيق الخطأ في اعتقادهم ، وإظهارا لضعف عقولهم مع أنّهم كانوا يعدّون أنفسهم قادة للناس ، ولذلك فالوجه أن تكون الواو في قوله : (وَما يَشْعُرُونَ) للعطف لا للحال ليفيد ذلك كون ما بعدها مقصودا به الإخبار المستقلّ لأنّ الناس يعدّونهم أعظم عقلائهم.
(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٢٨))
الخطاب للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأنّ في الخبر الواقع بعده تسلية له عمّا تضمّنه قوله : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) [الأنعام : ٢٦] فإنّه ابتدأ فعقّبه بقوله : (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) [الأنعام : ٢٦] ثم أردفه بتمثيل حالهم يوم القيامة. ويشترك مع الرسول في هذا الخطاب كلّ من يسمع هذا الخبر.
و (لَوْ) شرطية ، أي لو ترى الآن ، و (إِذْ) ظرفية ، ومفعول (تَرى) محذوف دلّ عليه ضمير (وُقِفُوا) ، أي لو تراهم ، و (وُقِفُوا) ماض لفظا والمعنيّ به الاستقبال ، أي إذ يوقفون. وجيء فيه بصيغة الماضي للتنبيه على تحقيق وقوعه لصدوره عمّن لا خلاف في خبره.
ومعنى : (وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) أبلغوا إليها بعد سير إليها ، وهو يتعدى ب (عَلَى). والاستعلاء المستفاد ب (عَلَى) مجازي معناه قوّة الاتّصال بالمكان ، فلا تدلّ (على) على أنّ وقوفهم على النار كان من أعلى النار. وقد قال تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) [الأنعام : ٣٠] ، وأصله من قول العرب : وقفت راحلتي على زيد ، أي بلغت إليه