وجملة : (قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) استئناف بياني ، لأنّ قوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا) قد آذن بمشهد عظيم مهول فكان من حقّ السامع أن يسأل : ما ذا لقوا من ربّهم ، فيجاب : (قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) الآية.
والإشارة إلى البعث الذي عاينوه وشاهدوه. والاستفهام تقريري دخل على نفي الأمر المقرّر به لاختبار مقدار إقرار المسئول ، فلذلك يسأل عن نفي ما هو واقع لأنّه إن كان له مطمع في الإنكار تذرّع إليه بالنفي الواقع في سؤال المقرّر. والمقصود : أهذا حقّ ، فإنّهم كانوا يزعمونه باطلا. ولذلك أجابوا بالحرف الموضوع لإبطال ما قبله وهو (بَلى) فهو يبطل النفي فهو إقرار بوقوع المنى ، أي بلى هو حقّ ، وأكّدوا ذلك بالقسم تحقيقا لاعترافهم للمعترف به لأنّه معلوم لله تعالى ، أي نقرّ ولا نشكّ فيه فلذلك نقسم عليه. وهذا من استعمال القسم لتأكيد لازم فائدة الخبر.
وفصل (قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ) على طريقة فصل المحاورات. والفاء للتفريع عن كلامهم ، أو فاء فصيحة ، أي إذ كان هذا الحقّ فذوقوا العذاب على كفركم ، أي بالبعث. والباء سببية ، و «ما» مصدرية ، أي بسبب كفركم ، أي بهذا. وذوق العذاب استعارة لإحساسه ، لأنّ الذوق أقوى الحواسّ المباشرة للجسم ، فشبّه به إحساس الجلد.
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٣١))
استئناف للتعجيب من حالهم حين يقعون يوم القيامة في العذاب على ما استداموه من الكفر الذي جرّأهم على استدامته اعتقادهم نفي البعث فذاقوا العذاب لذلك ، فتلك حالة يستحقّون بها أن يقال فيهم : قد خسروا وخابوا.
والخسران تقدّم القول فيه عند قوله تعالى : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) في هذه السورة [١٢]. والخسارة هنا حرمان خيرات الآخرة لا الدنيا.
والذين كذّبوا بلقاء الله هم الذين حكي عنهم بقوله : (وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) فكان مقتضى الظاهر الإضمار تبعا لقوله (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) [الأنعام : ٢٧] وما بعده ، بأن يقال : قد خسروا ، لكن عدل إلى الإظهار ليكون الكلام مستقلا وليبنى عليه ما في الصلة من تفصيل بقوله : (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) إلخ.