وعقّب بقوله : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) ، فعلم منه أنّ أعمال المتّقين في الدنيا هي ضدّ اللعب واللهو ، لأنّهم جعلت لهم دار أخرى هي خير ، وقد علم أنّ الفوز فيها لا يكون إلّا بعمل في الدنيا فأنتج أنّ عملهم في الدنيا ليس اللهو واللعب وأنّ حياة غيرهم هي المقصورة على اللهو واللعب.
والدار محلّ إقامة الناس ، وهي الأرض التي فيها بيوت الناس من بناء أو خيام أو قباب. والآخرة مؤنّث وصف الآخر ـ بكسر الخاء ـ وهو ضدّ الأول ، أي مقرّ الناس الأخير الذي لا تحوّل بعده.
وقرأ جمهور العشرة (وَلَلدَّارُ) ـ بلامين ـ لام الابتداء ولام التعريف ، وقرءوا (الْآخِرَةُ) ـ بالرفع ـ. وقرأ ابن عامر ولدار الآخرة ـ بلام الابتداء فقط وبإضافة دار منكّرة إلى الآخرة ـ فهو من إضافة الموصوف إلى الصفة ، كقولهم : مسجد الجامع ، أو هو على تقدير مضاف تكون (الْآخِرَةُ) وصفا له. والتقدير : دار الحياة الآخرة.
و (خَيْرٌ) تفضيل على الدنيا باعتبار ما في الدنيا من نعيم عاجل زائل يلحق معظمة مؤاخذة وعذاب.
وقوله (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) تعريض بالمشركين بأنّهم صائرون إلى الآخرة لكنّها ليست لهم بخير ممّا كانوا في الدنيا. والمراد ب (الَّذِينَ يَتَّقُونَ) المؤمنون التابعون لما أمر الله به ، كقوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] ، فإنّ الآخرة لهؤلاء خير محض. وأمّا من تلحقهم مؤاخذة على أعمالهم السيئة من المؤمنين فلمّا كان مصيرهم بعد إلى الجنّة كانت الآخرة خيرا لهم من الدنيا.
وقوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) عطف بالفاء على جملة : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) إلى آخرها لأنّه يتفرّع عليه مضمون الجملة المعطوفة. والاستفهام عن عدم عقلهم مستعمل في التوبيخ إن كان خطابا للمشركين ، أو في التحذير إن كان خطابا للمؤمنين. على أنّه لمّا كان استعماله في أحد هذين على وجه الكناية صحّ أن يراد منه الأمران باعتبار كلا الفريقين ، لأنّ المدلولات الكنائية تتعدّد ولا يلزم من تعدّدها الاشتراك ، لأنّ دلالتها التزامية ، على أنّنا نلتزم استعمال المشترك في معنييه.
وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحفص ، وأبو جعفر ، ويعقوب ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ـ بتاء الخطاب ـ على طريقة الالتفات. وقرأه الباقون ـ بياء تحتية ـ ، فهو على هذه القراءة عائد