مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤))
عطف على جملة (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) [الأنعام : ٣٣] أو على جملة (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام : ٣٣]. ويجوز أن تكون الواو واو الحال من الكلام المحذوف قبل الفاء ، أي فلا تحزن ، أو إن أحزنك ذلك فإنّهم لا يكذّبونك والحال قد كذّبت رسل من قبلك. والكلام على كلّ تقدير تسلية وتهوين وتكريم بأنّ إساءة أهل الشرك لمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ هي دون ما أساء الأقوام إلى الرسل من قبله ؛ فإنّهم كذّبوا بالقول والاعتقاد وأمّا قومه فكذّبوا بالقول فقط. وفي الكلام أيضا تأسّ للرسول بمن قبله من الرسل.
ولام القسم لتأكيد الخبر بتنزيل الرسول صلىاللهعليهوسلم منزلة من ذهل طويلا عن تكذيب الرسل لأنّه لمّا أحزنه قول قومه فيه كان كمن بعد علمه بذلك. و (مِنْ قَبْلِكَ) وصف كاشف ل (رُسُلٌ) جيء به لتقرير معنى التأسّي بأنّ ذلك سنّة الرسل.
وفي موقع هذه الآية بعد التي قبلها إيماء لرجاحة عقول العرب على عقول من سبقهم من الأمم ، فإنّ الأمم كذّبت رسلها باعتقاد ونطق ألسنتها ، والعرب كذّبوا باللسان وأيقنوا بصدق الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعقولهم التي لا يروج عندها الزيف.
و (ما) مصدرية ، أي صبروا على التكذيب ، فيجوز أن يكون قوله (وَأُوذُوا) عطفا على (كُذِّبُوا) وتكون جملة (فَصَبَرُوا) معترضة. والتقدير : ولقد كذّبت وأوذيت رسل فصبروا. فلا يعتبر الوقف عند قوله (عَلى ما كُذِّبُوا) بل يوصل الكلام إلى قوله (نَصْرُنا) ، وأن يكون عطفا على (كُذِّبَتْ رُسُلٌ) ، أي كذّبت وأوذوا. ويفهم الصبر على الأذى من الصبر على التكذيب لأنّ التكذيب أذى فيحسن الوقف عند قوله : (عَلى ما كُذِّبُوا).
وقرن فعل (كُذِّبَتْ) بعلامة التأنيث لأنّ فاعل الفعل إذا كان جمع تكسير يرجّح اتّصال الفعل بعلامة التأنيث على التأويل بالجماعة. ومن ثمّ جاء فعلا (فَصَبَرُوا) و (كُذِّبُوا) مقترنين بواو الجمع ، لأنّ فاعليهما ضميران مستتران فرجح اعتبار التذكير.
وعطف (وَأُوذُوا) على (كُذِّبَتْ) عطف الأعمّ على الأخصّ ، والأذى أعمّ من التكذيب ، لأنّ الأذى هو ما يسوء ولو إساءة ما ، قال تعالى : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) [آل عمران : ١١١] ويطلق على الشديد منه. فالأذى اسم اشتقّ منه آذى إذا جعل له أذى وألحقه